المقالات

انتصار أم انتحار

مشاهد مروعة تزعجنا بها الأخبار اليومية والمادة الدسمة لقنوات الأخبار العربية والغربية هي مشهد يومي ومتكرر لجثة طفل على قارعة الطريق وامرأة تنفض عن وجههـا الغبار بين الأنقاض وكهل يبكي على أطلال رسوم تذكرنا بأطلال العربي القديمة التي حاورهـا الشعراء العرب واستعادوا فيها ذكريات الخيال وأطيافه العابرة في أعماق الذاكرة البعيدة تُرى لو استيقظ امرؤ القيس الذي بكى على الأطلال واستبكى ترى هل يمكن للعبرة التي تخنقه أن تسعفه بقصيدة بكائية أو إنه سيخرج بدواوين دمعٍ بدم وكأني بأبي العلاء المعري قد أبصر ببصيرته واقع العرب اليوم حين قال

صاح هذي قبورنا تملء الرحب ** فأين القصور من عهد عاد

خفف الوطء ما أظن أديم ** الأرض إلا من هذه الأجساد

وكأني أشهد دموع أبي البقاء الرندي على الأندلس تتكرر في الأندلس العربي تصور لحظة غفلة الأزمنة العربية وانكسارهـا زمن تشرذم وانقسام وخضوع وخنوع وذلة حين يقول

هي الأمور كما شاهدتهـا دول ** من سره زمن ساءته أزمـان

لكن المؤسف والمخزي والذي يبعث على العار هو إن الدمـاء عربية بأيدٍ تزعم إنهـا عربية وإذا كان القاتل العربي لا يردعه دينه وإسلامه فأين أرومته العربية أين القومية العربية التي تغنى بها رموز العروبية زعموا..

أما أبو تمام والمتنبي فلا مكان لهما في عصرنا اليوم إذ لا يجتمع عصر كرامة وعزة مع عصر ذلٍّ ومهانة .

حركة التاريخ العربي المعاصر متأرجحة بين أزمات متتالية تتطلع لزعيم عربي جديد شهم قوي مناضل يعيد للعرب عزتهم ومكانتهم بين الأمم التي تتحرك قدمـاً في تطور سريع وتحديث كبير وتغيير كبير لزعامات قوية نهضت بأممها بعد أن أرست دعائم العدل والحرية والمساواة بين شعوبهـا فتمسكت بهـا الشعوب والتفت حولهـا وبادرت بدعم تلك الزعامات وصارت مصدر قوتهـا وشهد التاريخ الحديث قيادات لم يكن للعرب من شبهها نصيب إن من أهم أسباب الانتكاسة والهزيمة العربية اليوم هو عدم وجود زعامات قوية تكون محل ثقة شعوبهـا بل هي اليوم مصدر خيبة آمالهـا مما أنتج ثورات عديدة لاتزال نيرانهـا مشتعلة لانعرف من أين تبدأ رياحهـا وإلى أين تتوجه .

لا يمكن بحال تصور عصر الانتصار بحالة الاحتضار العربي بل إن حالة الانتحار التي نشهدهـا اليوم وليدة زعامات هزيلة وشعوب كسولة ولكل عصر رجاله وقادته ورموزه والمشهد القادم للعرب هو الذي سيجيب بشفافية على سؤال إرهاصات الانتصار أو الانتحار في المشهد العربي الجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى