صالحة عبدالله
الآن وفي هذه اللحظة المتأخرة من الليل أستودعت ابنائي خالقهم وتركتهم في رعايته وانسحبت بهدوء من بين يدي طفلتي حتى لا تشعر بي وتسألني كالعادة ( مين ينام جنبي يا ماما)؟
الآن وفي هذه اللحظة أجر أطراف عباءتي وأُدير المفتاح في الباب لأتذكر ابنتي في الصف الثالث الابتدائي التي تعاني من ارتفاع درجة حرارتها فأذهب لأطمئن عليها وأقبلها بدعوات راجفة و متوسلة أن يخفف عنها ويشفيها لي.
الآن وفي هذه اللحظة أخرج بعد أن اتصل السائق والذي أكره أن أرى رقمه في هاتفي والذي لا أرد عليه مطلقا ليعلمني اتصاله بمجيئه وأنزل إليه والنوم خلفي يجرني بعنف وكأنه يقول ولبدنك عليك حق.
الآن وفي هذه اللحظة أعاتب نفسي على تركي أطفالي مرضى ولوحدهم فوالدهم لايعرف كيف يصفف شعر البنات ولا يُحضِّر الفطور لهم وليس لدي خادمة تشرف عليهم وعلى المنزل في غيابي. كيف أذهب ولماذا ؟
لأن المديرة يامعالي الوزير شدّدت على عدم الغياب ونبَّهت بأن هناك اجتماع حول مؤشرات الأداء التي إما أن ترفعك درجات علا أو تخسف بك سابع أرض .
يا إلهي ، هذه المؤشرات وغيرها من التعاميم التي نطَّلِع عليها غالبا ونوقع عليها بالموافقة دون فهم ولا إدراك ولا حتى الإعتراض يجدي معها شيئا فهي كتاب منزل محكم التدبير ولا يصب الا في مصلحة المعلم والمعلمة كل هذا كالطلق الناري الذي إن لم يصبك أخافك أكثر.
الآن وفي هذه اللحظة في الساعة الرابعة فجرا والتي ركبت فيها السيارة من نوع جيب موديل ٢٠٠٠ أراقب الطريق عين عليه وأخرى تُصارِع النوم لكن دون جدوى و السائق لا ينفك يتحدث ساعات وساعات عن الماء السحري الذي اذا شربت منه شفيت تماما من كل الأمراض فهو يشفي من السرطان والحمى والسعال ويحميك من العين ويقضي على الصلع و يطيل العمر أيضا .
سائقنا رجل مزواج فقد طلب مِنّا أن نبحث له عن عروس وأنه ورغم أنه صار جدًّا الآن وله أحفاد مازال يرغب بزوجة ثالثة سيجعلها معززة مكرمة شرط أن تكون معلمة .
في هذه اللحظة تذكرت ( الحاج متولي) المزواج العفيف الشريف صاحب الخلق النبيل الذي يتزوج بكثره وأموره (عال العال ومية مية) .
السؤال الذي أشغلني وزميلاتي ماذا لو رفضنا البحث للسائق عن عروس معلمة هل سيتوقف عن نقلنا؟
الآن وفي هذه اللحظة يامعالي الوزير أرغب في عقد اجتماع مع سعادتكم لطرح رؤى عميقة عن مستقبلنا التعليمي ونُخْرِج من رحم العقم معجزة فالحوار فن وكل وزارة لها برتوكول خاص يجب أن يُنفذ ويُحترم لتنجح تلك العلاقات العامة بينكم وبين أهم شريحة عاملة في هذا المجتمع فهذه العلاقات وسيلة إلى غاية تعقبها، فإن تعثرت الوسيلة عزّت الغاية وتعذر تحقيقها. في هذه اللحظة أسأل نفسي لماذا تجتمع بنا مديرة المدرسة وأنتم لم تتفضلوا بطرح جديدكم علينا .
الآن وفي هذه اللحظة أشعر بالجوع يامعالي الوزير وأشعر بالنعاس وأشعر أنني قد أطير أيضا .
الآن وفي هذه اللحظة أسأل نفسي لو متنا إثر حادث لا قدّر الله ،، هل ستتعرض أنت للمسائلة وتُخْسَفُ درجات أداءك كوزير أهمل في عمله وكُنّا نحن الضحية .
الآن وفي هذه اللحظة التي أكتب فيها حروفي الاخيرة قبل أن ينقطع الإتصال والإرسال ونغيب عن العالم من حولنا ادعو الله أن يكتب لي النقل أنا وبقية زميلاتي المعلمات حتى يتسنى لنا ممارسة أشرف مهنة في جو يسوده الأمان والراحة ويكون عطاءنا على قدر ماتستحق هذه المهنة وأكثر.
الآن وفي هذه اللحظة استودع نفسي وزميلاتي رحمة البارىء وأسأله السلامة لنا في الحل والترحال.
و صباح الخير يا صاحب المعالي .[/JUSTIFY]