المناهضون لروح الصداقة !
بقلم/ فاطمة المزروعي
العلاقات بين الناس تنشأ بسبب الحاجة وتوجد بسبب الرغبة، لكن لا تقوم أبدًا بعفوية، بل نجد الطرفين يكون كلا منهما وجد في الآخر شيئًا مميزًا، لن أستفيض في هذا الطرح؛ لأن أنسب من يخوض في هذا المضمار هم علماء النفس، وخاصةً متخصصي علم السلوك، لكنني أعود للسؤال البديهي، لماذا نشاهد ونسمع بأصدقاء أو حتى صديقات امتد بهم العمر وهم يلتقون يوميًا ومشاركاتهم واحدة وهمومهم وتطلعاتهم ورغباتهم جميعها واحدة، وفي غفلة من الجميع ودون مقدمات تنهار هذه الصداقة وتهوي للحضيض، وتتبدل الألفة والمحبة إلى الكراهية والعداء؟!
تلك الصداقة التي كانت مضربًا للأمثال باتت جرحًا نازفًا في قلب كل واحد من الصديقين، وهذا يذكرني بالمقولة الشهيرة، ولا أعلم إذا كانت شعرية، تقول:” احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرَّة.. فلربما انقلب الصديق؛ فكان أعلم بالمضرة”.
وهنا معضلة أخرى وهي تتعلق بحجم الضرر الذي سينشأ من انهيار هذه الصداقة، ففضلًا عن الحنين والفقد ومحاولات التغلب على الطباع الواحدة والاهتمامات التي كانت مشتركة والتي جميعها تغيرت وبت في لحظة لوحدك دون ذلك الصديق الذي اعتدت عليه، أقول إنه في وسط هذه اللجة تظهر معضلة أخرى بأن أسرارك وخصوصياتك هي في الحقيقة كانت مشاعًا تمامًا لذلك الصديق، وهذا يعد همّ آخر سيؤرق كل واحد منا لمن كان له صديق يُسمى صديق العمر، كما يُقال.
من ردات الفعل على مثل هذه المعضلة وهي انهيار الصداقة بعد عمر طويل من بنائها وتقويتها، نتج عن مثل هذه الانهيارات ثقافة تُعادي الصداقة وتعتبرها شعارًا لا أكثر وأنه لا وجود لها بشكلها الحرفي، وأن الموجود في الحقيقة هي المصلحة لا أكثر ولا أقل، ومثل هذه الأصوات المناهضة لروح الصداقة لم تأتِ من فراغ، بل إن الكثير جدًا من القصص ترفدها وتعطيها مصداقية، ودون الدخول في محاولة تبرير أو تحليل أو الاصطفاف مع هذا الرأي أو الآخر، يبقى في ظني أن تلك الجملة الشهيرة التي تقول:” للأسف أغلب علاقاتنا لا تنتهي بسبب الكذب، ولكن انتهت بسبب الحقيقة” فيها مصداقية كبيرة ![/JUSTIFY]