المقالات

بين الحقيـقة والوهـم

الحقيقة هي تلك النقطة التي تقف عندها العقـول حقيقـة الشيء ـ ماهيته ـ ذاته ـ طبيعته ــ والحقيقة ثابتة لاتتغير .

حقيقة الألوهية والربوبية حقيقة لايمكن أن يتصور الإنسان انها يمكن بحال أن تتغير لأنها حقيقة مطلقة لايمكن تجاهلها كيف وهي حقيقـة إن الله وحـده هو المستحق للعبودية دونما سواه وأنه رب الأشياء ومالكها وموجد الحقيقية .

والحقائق كثيرة ( حقيقة الوجود الكوني ـ والوجود الإنسـاني ـ والوجود الكلي المطلق ـ والوجود الجزئي المقيد ـ حقيقة الكائنات الحية والميتة ـ حقيقة الجن ـ حقيقة الموت ـ حقيقة البعث والنشور ـ حقيقة الجنة والنار ـ حقيقة الغيب والشهادة ـ حقيقـة النفس البشرية

حقائق كثيرة موجودة وحاضرة مشهودة وغائبة حقائق كثيرة معلومة وغير معلومة مفهومة وغير مفهومة ، حقائق معترف بها وحقائق غير معترف بها مع إنها حقائق صادقة ثابتة غير متغيرة . وبين الوهم والحقيقة شعرة ممتـدة تكــاد تنقطع إذا شدَّها إنسان بفكره أو بعقله المستـكن أو بروحه الغافلة الوهم مثل الحلم يروح ويجيء تارة يثور وتارة يخمد مثل الضوء والبرق يمـر سريعاً ويضيء ثم يخفت شيئاً فشيئاً الوهم مثل الشمعة التي تشتعل بقوة ثم لاتلبث أن تنطفيء ومثل الموجة في البحر التي تأتي قوية صارخة صـاعدة في السماء ثم تمكث قليلاً تراها وتسمع صوتها ثم تذهب .
ولكلٍّ باحثون هناك من يبحث عن الحقيقة وهناك من يبحث عن الوهم وكلا الفريقين يلهث دون فائدة أحياناً هناك من يبحث عن السراب ويظل يطرده حتى ما يجد شيئاً مثل الناظر في ضوء الشمس وشعاعها لايتمكن أبداً من رؤية قرص الشمس إلا حين تسمح الشمس بذلك وتكن وقتها عند الغروب وفي لحظة أفـول فلا تمكـِّـنك من الإحاطة بها كلها وإدراكها وكذلك الحقائق والأوهام لاتأذن لك برؤيتها على الحقيقة حتى تكون قد قضيت وقتاً كثيراً وكثيراً جداً في البحث عنها والسير الدائم خلفها .

تعب الفلاسفة وهم يفكـرون ويبحثون عن الحقيقة وزعم بعضهم أن الحقائق مجرد أوهام زائلة وأن الأنبياء عليهم السلام
قد أشغلوا أممهم بالخيالات حتى تشغلهم في حياتهم ليمـوتـوا بعدها بلا رجعة ولابعث وهم يتمتعون بخيال الجنة والنار وخيال النعيم المقيم بعد هذا التعب والشقاء، وبعضهم بنى لنفسه وتخيل مدينة فاضلة يسودها العدل والحق والسلم والحب والخير
وبعض المتفلسفين عمد إلى التفكير فيما لانهاية له وأوغل في ما وراء المعقول وما علم أن من الحقائق الثابتة أن ماوراء العقل لايعلمه إلا من خلق العقل وأوجده وجعل للعقل حدوداً لاتبلغه وبعضهم اعترف بالوجود الإلهي لكن كمجرد فكرة لاكحقيقة ثابتة تتسمى بأسماء ولها صفات وأقوال وأفعال ووصفوا الله ـ تعالى الحق ـ بالقوة الفاعلة .

والحقيقة التي لم يدركها هؤلاء الفلاسفة أدركها الأنبياء بفضل التكريم الإلهي وبفضل الوحي الرباني الذي كشف بعض الحقائق التي سبقت الإشارة إليها وترك بعض الحقائق مستورة عن البشر كي يجتهدوا في الوصول إليها أو يتركوها لخالق الحقيقة وهو العالم بها وحده .ومما لم يدركه أولئك المتعمقـون في البحث وحب الاستكشاف أنه ليس كل حقيقة يمكن إدراكها عن طريق البحث التجريبي بل هناك حقائق الأولى بالإنسان تجاهلها أو نسيانها أو عدم التعرض لها لأنه لافائدة من البحث فيها .

ولكن يأبى العقل البشري إلا العبث والبحث عما لايمكن إدراكه وهذا هو الوهم الحقيقي الذي شغل كثيراً من العقول ردحاً من الزمن ، والعجيب أن كثيراً من متفلسفة العصر الحاضر لم يستطيعوا إلا أن يكونوا ملاحـدة ليسلم لهم نفي كثير من الحقائق ولو كانت كعين الشمس .

وعندما تغيب الحقائق ولو كانت قريبة فالأولى بالإنسان أن يقف تحت ظل وهم زائل خير له من الإلحـاد.

ذات مرة حاولت البحث في حقيقة الحب وماهيته إلا إني عجزت عن إدراك ماهية الحب وهو من الحقائق التي لايخلو منها بشر فلم أستطع إدراك إلا بعض صفات الحب وسماته الظاهرة لكل أحد أما حقيقته وحركته في النفس وكيف يبدأ ومن أين وإلى أين ينتهي وكيف يموت وكيف يضمحل وبأي شكل هــوَ فلم أستطع ذلك فإذا كان ذلك في حقيقة من الحقائق التي هي من نوازع النفس البشرية وذلك يعني أنها حقيقة قريبة منـا قريبة من القلب من الروح من العقل من العين من حبل الوريد فما بالك بالحقائق البعيدة الموغلة في البعد والتعـقيد . حقاً : من أدرك الحقيقة عرف أن الوهم أيضاً حقيقة نشعر بها ونحس بها ولكن الفرق بين الوهم والحقيقة هو أن الوهم ينتهي وقد يبقى أثره في بعض النفوس الضعيفة والحقيقة دائمة لا تذهب ولا تتغير أبـداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى