المقالات

مستقبل الإعلام الإلكتروني السعودي وأزمة الصحافة الورقية

أخذت الأزمة تأخذ بخناق الصحافة الورقية في غير قليل من دول العالم، فكل يوم نسمع ونقرأ عن صحف عالمية شهيرة توقفت عن إصدار النسخة الورقية والاقتصار على الإصدار الإلكتروني من خلال موقع على الانترنت، ووصل الأمر إلى عالمنا العربي، ولعل ما أعلنته عدة صحف ومجلات عربية أخيراً بالاكتفاء بالنشر الالكتروني، يؤكد أن الأزمة لم تستثنِ الإعلام العربي، غير أن بعض الصحف العالمية اتقاء من الأزمة وهروباً منها، تلجأ إلى الاندماج في مؤسسات إعلامية كبرى في زمن أصبحت فيه وسائل الإعلام المختلفة تساند بعضها ولا يمكن لأي منها أن تستمر دون مثل هذا الإسناد.

إن المشهد لا يختلف كثيراً في الفضاء الإلكتروني السعودي، فالمملكة السعودية ليست بمعزل عن هذه التطورات، بخاصة على شبكة الإنترنت، حيث يشهد الإعلام الجديد إقبالا هائلاً ومنقطع النظير. فهو وسيلة اتصال حديثة لها قدرة خارقة على استحضار العالم أو بالأحرى على اكتشاف حضوره:

معلومات ـ أخبار ـ جامعات ـ مجلات ـ مراكز أبحاث ـ مراكز تجارية ـ بيع وشراء ـ مصارف ـ شركات طيران ـ فنادق ـ مراسلات ـ دعاية وإعلان ـ علوم مختلفة ـ أديان ـ إشاعات ـ حقائق… ثمة ملايين وملايين من العناوين المتفرقة التي يمكن التعرف إليها وإلى كنوزها بمجرد النقر من قبل أي مستخدم على هذا الرابط أو ذاك أو التنقل بين الصفحات في ذلك الفضاء الواسع.

إنّ ظهور الصحافة الإلكترونية كمنافس للصحافة المطبوعة أمر ينبغي الاعتداد به، لأن الصحافة الإلكترونية توفر على القارئ انتظار يوم كامل، في الوقت الذي يمكنه متابعة الجديد من الأخبار في أي وقت بخاصة مع وجود خدمة التحديث التي يتم إدخالها على الصحيفة الإلكترونية… وهذا ما لا يتوافر في الصحيفة الورقية، نظراً إلى التكلفة العالية لإصدار طبعات إضافية من الصحيفة لمتابعة مستجدات الأحداث، لذلك تتميز الصحيفة الإلكترونية بنقل الأخبار والموضوعات في أي وقت.

والمشكلة أو الأزمة التي تعاني منها الصحف الورقية ترجع إلى تناقص أعداد القراء وعوائد الإعلانات، وتحول القراء إلى الإنترنت في الحصول على المعلومات والترفيه، ربما لا تتبدى هذه الأزمة في مجتمعنا لنمط ملكية الصحف وإنتاجها، ومع ذلك فهي بحاجة إلى التوقف عندها باتجاه إعادة النظر في نظامنا الصحفي والإعلامي وتطويره بما يستوعب التطورات المتسارعة في تكنولوجيات الإعلام واقتصادياته .

كما أنّ ارتفاع تكاليف إنتاج الصحف المطبوعة من التحديات المهمة التي تواجه الصحافة المطبوعة، وتشمل جانبين يتمثل الأول في اعتماد الصحف على مواد خام نادرة أو محددة وهي ورق الطباعة، ومع كل زيادة في أسعار ورق الصحف تتضاعف مشكلة الصحف المطبوعة؛ بينما يتمثل الثاني في ارتفاع نفقات إصدار الصحيفة كمشروع فكري إعلامي صناعي تجاري يحتاج إلى ملايين الريالات…

إضافة إلى تحدٍ جديد وهو تغيّر أذواق القراء واحتياجاتهم الإعلامية وذلك نتيجة للمتغيرات المجتمعية المختلفة، وظهور وسائل إعلامية منافسة، وفي هذا الإطار تبرز ضرورة لجوء الصحافة المطبوعة إلى نوعية جديدة من المحررين يستفيدون من تقنيات العصر في تطوير صحفهم بما يستقطب مزايا الصحافة الرقمية وفي الوقت ذاته يحتفظ بجمهور الصحافة المطبوعة .

ومع تزايد عدد المستهلكين للإنترنت، وقضائهم لوقتٍ أطول على الشبكة، تزايد الإنفاق الإعلاني على الإنترنت، وبحسب شركة أبحاث السوق ‘فوريستر’، فإنّ الإنفاق الإعلاني على الشبكة سيتجاوز الإنفاق على التلفزيون في عام 2016. وتوقعت الشركة أن يبلغ ما ينفق للتسويق عبر الإنترنت 103 مليارات دولار بحلول عام 2019 وبزيادة سنوية قدرها 13 في المائة، مقارنة بـ 86 مليار دولار ستنفق للتسويق عبر التلفزيون في الولايات المتحدة الأميركيّة. وارتباطاً بالأرقام، فقد كشفت ‘إي إم سي’، الشركة العالمية المدرجة في بورصة نيويورك مؤخراً، عن نتائج دراستها، بعنوان ‘العالم الرقمي’ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي الدراسة الوحيدة التي تتوقع وتحدد حجم البيانات المنتجة بصورة سنوية. وتشير الدراسة إلى أنّ العالم الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سينمو من 249 إكسابايت في 2014، إلى 1835 إكسابايت في 2020، بنسبة 600 في المائة.

وكشفت الدراسة أن الأسواق الناشئة تنتج كميات أكبر من البيانات، حيث تعود 60 في المائة من البيانات في العالم الرقمي في العام 2013 إلى الأسواق المتقدمة مثل ألمانيا واليابان وأميركا، لكن الأسواق الناشئة بما فيها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والبرازيل والصين والهند والمكسيك وروسيا ستتقدم على الأسواق المتقدمة بحلول العام 2017. وسينمو حجم مساهمة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوحدها في العالم الرقمي من 3.8 في المائة في العام 2013 إلى 4.2 في المائة في العام 2020.

أما تقرير نظرة على الإعلام العربي 2011 ـ 2015 الذي أصدره نادي دبي للصحافة، فقد أظهر تراجع حاداً في الإنفاق الإعلاني وانحسار متزايد للصحافة المطبوعة في مقابل صعود واضح للإعلام الرقمي. ومن خلال عرضنا للأرقام والمعطيات العربية والدولية… لابد من التأكيد أنّ الصحافة الالكترونية في السعودية، قد أصبحت حقيقة واقعة يجب التعامل معها صحفياً وأكاديمياً وتدريبياً بمزيد من الجدية، بخاصة وأن هذه الصحافة تعاني في صمت من شتى صنوف معاناة المخصص المالي وعدم وجود دعم رسمي وتنظيمي، وكذلك صعوبة تقبل ملاك ومسؤولي الإعلام التقليدي فكرة مزاحمة الإعلام الجديد لهم، ناهيك بقدرة الإعلام الجديد على اكتساح السوق إعلامياً وربحياً، والسبب الأخير، أن الإعلام التقليدي محكوم في خروج المنتج النهائي بعوامل عدة، منها السيطرة شبه الرسمية ، لذلك كان على صنّاع القرار الإعلامي استشعار التوجهات الرسمية بخصوص زيادة مساحة حرية الرأي ومدى قبول مشاركة المدارس الفكرية والدينية المتعددة وغيرها.

وهذا ما جعل بعض المتحمسين للتكنولوجيا يقولون إن الصحافة الورقية قد شاخت وأصبح الاستثمار فيها ‘كمن لديه مال يشتري به حماماً ثم يطلقه في الفضاء’. فثمة إكراهات ومشاكل أصبحت تواجه الصحافة السعودية المطبوعة تتمثل في انخفاض معدلات القراءة بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة… وفي الوقت ذاته ازدياد اتجاه الأجيال الجديدة إلى أشكال أخرى حديثة من الاتصال، كذلك تناقص دخل الصحف من الإعلانات الأمر الذي أدى إلى انخفاض توزيع الصحف.

وحتى لا نكون كالذي يحرث في الماء، نعرض شهادة أحد المتخصصين السعوديين في الإعلام الجديد، ليدلي بدلوه في الموضوع، وليؤكد صحة ما طرحناه في هذا المقال، وهو الأكاديمي الدكتور ‘سعود كاتب‘ الذي يقول في مقال نشرته جريدة المدينة الأربعاء 18/02/2015. حيث يؤكد: (أن من الحكمة لجميع دور النشر والتوزيع في المنطقة ـ خاصة السعودية ـ التفكير بجدية في مستقبل صناعتهم والبدء بالاستثمار بعمق في الإعلام الرقمي. إن كل الدلائل اليوم تؤكد بأن الصحافة المطبوعة تمر بمرحلة موت بطيء لن تؤدي وسائل ‘الإنعاش’ وأدواته سوى لمنحها قليلاً من العمر الإضافي، وأي زيادة طارئة في التوزيع لا تعدو كونها ‘صحوة موت’ للورق والحبر).

ونحن في صحيفة مكة الإلكترونية، نؤمن إيماناً راسخاً وجازماً أنّ ما قاله الدكتور ‘سعود كاتب’ هو عين الصواب، بل هو الحقيقة نفسها، ونؤكد بدورنا أنّ المستقبل هو للصحافة الالكترونية، مهما بدت هذه الحقيقة موجعة.

وواقع الحال أن الصحافة الالكترونية في السعودية تشق طريقها وتثبت أقدامها، وأننا بالتأكيد سائرون نحو مستقبل علينا أن نودع فيه الشكل الذي اعتدناه من الصحف، كما ودعنا أشياء وطقوساً جميلة كثيرة أخرى، لصالح تقنيات جديدة لا يمكن قهر تقدمها. وأول الخطوات الجادة للتعامل مع هذه الصحافة يتمثل في تحقيق العدالة أو بالأقل تحقيق نوع من التوازن بين اهتمامنا بالصحافة الورقية وبين الصحافة الالكترونية، وهذا التوازن أعتقد أن المخول لتحقيقه هم رجال الأعمال، حيث لابد من مدّ يد العون والمساندة للإعلام الجديد، لأنّ في دعمه استمرار لحياة هذا الإعلام، الذي لا بد من الاعتراف بأنه أصبح واقعاً مفروضاً وليس من السهل تجاهله أو التغافل عنه وإلا كنا خارجين عن سياق العصر وعاجزين عن متابعة حركة التاريخ.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. [SIZE=4]مقال في الصميم يااستاذ عبدالله وليس من المجدي للصحف الورقية التعالي على الإعلام الحديث وقد بات امرا مسلما به ووجه من جوه الحداثة التي ظلت تنادي بها لعقود! وكأن السحر ينقلب على الساحر ويرتد السهم إلى راميه فهاهي الحداثة والجدّة تأخذ مجراها في الصحافة ولا أقل من مواكبة سيرها…بوركت [/SIZE]

  2. [SIZE=4]مقال في الصميم يااستاذ عبدالله وليس من المجدي للصحف الورقية التعالي على الإعلام الحديث وقد بات امرا مسلما به ووجه من جوه الحداثة التي ظلت تنادي بها لعقود! وكأن السحر ينقلب على الساحر ويرتد السهم إلى راميه فهاهي الحداثة والجدّة تأخذ مجراها في الصحافة ولا أقل من مواكبة سيرها…بوركت [/SIZE]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى