المقالات

المسجد والخطيب

لعب المسجد وما يزال يلعب دورًا مهمًا في تشكيل الوعي الديني والثقافي في قطاعات المجتمع؛ فهو محور المجتمع الجديد وأهم من ذلك هو مدرسة للتربية والتنوير وجامعة للعلوم والثقافة ونواة صلبة وخصبة لازدهار الحضارة والتقدم لما يبثه من مفاهيم وآراء وقيم هامة في مجال المعرفة والخروج بالمجتمع من مجتمع أمي إلى نشر ثقافة جماهيرية على نطاق واسع. ثقافة متاحة للجميع دون تكاليف ولا إرهاق، مضامين دينية تُقدم إلى الناس تساعد لكي يكون المسجد ويظل منطقة جذب هائلة لتشكيل الوعي بالدين والتنوير بالمعرفة.

ولقد أتى وقت بالرغم من استمرار الناس في الصلاة في المسجد وهن فيه دور المسجد في التعليم والتنوير، واستشهد بعبارة سجلها المفكر الصادق النيهوم عندما قال اختفى دور الجامع في المسجد، وانحسر دور المسجد بالصلاة فقط دون مناقشة أمور المجتمع، وذلك لتواضع المستوى العلمي وسوء الإلقاء لدي بعض خطباء المساجد؛ مما أوجد لهم معارضة من شريحة واسعة من المجتمع الواعي حتى أصبح الكثير من المصلين يهجرون المساجد التي في أحيائهم ويبحثون عن مساجد أخرى بسبب ضعف مستوى الخطيب العلمي وفظاظته في التعامل مع المصلين وهذا هو النموذج الأوسع.

أما النموذج الثاني فأصبحت فيه بعض المساجد وليس الكل مركزًا للجذب واستقطاب لكافة كتائب الحركة المتشددة وليس هذا فحسب بل كانت أيضًا مكانًا للتنظيم والحركة والعمل الجماعي والتشاور وبناء التصورات والتفكير في مستقبل الحركة المتشددة. الحقيقة أن حركتهم خطابات مشوشة عرجاء وشعارات جوفاء من الجهل والتخلف والهروب إلى الوراء، وقد أبانوا عن قدرات خارقة في تحويل المسجد من مكان مقدس إلى مكان مدنس، معتمدين كل الاعتماد على التبرعات المستمرة وإن كانت زهيدة تكلفة جمعها أكثر من قيمتها الحقيقية وهذا يحقق أهداف عدة منها الحصول على الدعم المادي المستمر لمشاريعهم والاتصال المباشر مع الأفراد في الحي والأحياء المجاورة، واتخاذها وسيلة للتلقين والدعاية لأفكارهم وإشراك مجموعة كبيرة من المواطنين في إنجاز مشاريعهم وجمع التبرعات يجعلهم ضمنيًا مجندين في نشاط الحركة وهم من صغار السن.

ومن هنا أصبحت البيئة الحية والشابة والرافضة في المجتمع مجندة عاطفيًا؛ حيث أخذت منابر صلاة الجمعة تنفذ إلى أعداد متزايدة من روادها وأخذت خطبهم تروج لنوع من الحركية في الفكر المتشدد، كما كان لانتشار ورواج لأشرطة بعض المنظرين لهذه الفئة وتصدير بيانات ومنشورات وكتيبات مناهضة موقعة من طرف تنظيمات أصولية تدعو إلى إرهاب وعنف مدعومة بكتب الدروشة من قبيل جاهلية القرن العشرين، الحلول المستوردة كيف جنت على أمتنا تغير الحركة من تكتيكها وتركز نشاطها على التجنيد في الأحياء الشعبية من خلال الإكثار من “حلقات الدروس في المساجد “حلقات وعظية ذات طابع سياسي وتلقين أيدلوجي حسب الميول الفكرية للجماعة التي تشرف عليها هدفها سياسي من منظور إسلامي تحضيرًا وتهيئة المواطن على كيفية العيش في مجتمع يقوم على المبادئ الإسلامية، مركزة في ذلك على تحليل ونقد المجتمع وماوصل إليه نتيجة التوجه السياسي للسلطة في معالجتها لقضايا المجتمع في مستوياته الثلاثة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والحقيقة أن الحركة تُدين بالشيء الكثير لحلقات الدروس في المساجد الموجهة للشباب وعدم الغض في محيط يفتقر إلى أبسط وسائل التثقيف والترفيه .

فازداد تصميمًا واقتناعًا بأن القوة والعنف هما الوسيلة الوحيدة وتفرز خلق جناح عسكري في سرية وصرامة تامة حتى يتم الاختيار الأمثل للعناصر القادرة على المشاركة في العمليات الإرهابية. وهنالك نموذج رائع راقي وهم قلة يمتاز خطبائه بالوسطية تحمل تيارًا معتدلًا متنورًا معتمدًا على العقل والمنطق ويفهم روح الإسلام ويفسر النصوص بالوعي الراقي، أئمة تدعو إلى تعزيز السلم والاستقرار والأمن للجميع ويعززون الانتماء إلى الوطن ويتطلعون إلى غدٍ مشرق لوجه الحضارة الإسلامية التي تشع وتشرق على سطح الكرة الأرضية. فما آن الأوان لوزارة الأوقاف أن تضع معاييرًا وشروطًا في اختيار أئمة المساجد من النموذج الأخير، وأن تبتعد عن الخطباء الأصوليين المتشددين الذين يحفظون نصوصًا بحرفيتها ولا يفهمونها بروحها؛ لقلة وعيهم ومنطقهم وتغليبهم شهوة العاطفة على نضج العقل والفكر لديهم، ويؤدلجون الفكر الإسلامي من ثقافة سلم وإسلام ومساهمة في بناء الحضارة إلى حرب وعنف وتدمير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى