المقالات

بين الاجتهاد والابتداع

بين الاجتهاد والابتداع
عبدالله فراج الشريف

[JUSTIFY] مع تقديري لأخي الكريم الذي عقب علي مقالي السابق عن بدعة تحريم الزواج من الكتابية وقال لماذا أعتبر الدراسة المحرمة لهذا النوع من النكاح اجتهادًا؟ ولأجيب علي ذلك لابد لي من مقدمات ستوصلنا إلى النتيجة بسهولة. فأولًا : الاجتهاد وهو بذل أقصى الجهد للوصول إلى حكم شرعي من الدليل في كتاب الله وسنته رسوله – صلي الله عليه وسلم- أو اعتمادًا علي إجماع منقول.
وهذا الاجتهاد ليس كل أحد مؤهل له، فعلماء الأمة الذين وصفهم الله بقوله: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وكأنه يحصر خشيته فيهم إكرامًا لهم وتنويهًا بمكانتهم جعلوا للمجتهد أوصافًا وشروطًا ليس في مقدور كل أحد الوصول إليها، لهذا ندر أن يوجد المجتهد بينهم كالأئمة الأربعة -رحمهم الله-، وهذا ليس منهم تعديًا لغلق باب الاجتهاد كما يقول من قل علمه؛ فلا أحد من علماء الأمة المعتبرين قال بذلك، بل هو مفتوح علي مصراعيه حتي تقوم الساعة، ولكن لايجتهد إلا من بلغ الرتبة التي حددها جمهور علماء الأمة صيانة للدين أن يقول فيه من شاء بما شاء.

ولعل من فائض القول أن نشير إلى أن المجتهدين في عصرنا أندر كما يقال من الكبريت الأحمر، وندرتهم ورطتنا بجرأة من قل علمهم علي القول في الدين بغير علم، وبعضهم بالقول بهوي نفس مضل؛ لأنه اعتاد التحريم حتي لم يعد يرى مباحًا في الدين، وهذا أخطر من الجاهل لأن الجاهل إذا صحح له رجع إلى الحق في الغالب أما هذا فجهله من نوع الجهل المركب هو جاهل ولايعلم أنه جاهل، وهذا ورطه جهله في غلو في الدين نهي الله ورسوله -صلي الله عليه وسلم- عنه؛ فقال في دين الله بغير علم ثم حاول أن يقسر الناس علي قبوله، وما جاءنا الشر إلا من هكذا اجتهاد حتي وجدنا من يحرم على المسلم الفرح والحزن رغم إنهما نتاج غريزة في الإنسان لايمكن دفعها .هذه المقدمة الأولى أما الثانية فهي متعلقة بالحكم الذي تحدثنا عنه وهو إباحة نكاح المسلم للكتابية الذي لااختلاف بين المسلمين علي إباحته، فالمباح هو تخيير بين الفعل أو الترك أو قل هو ما لايُثاب عليه فاعله ولايعاقب تاركه وهو أنواع ثلاثة : الأول وهو الأكثر في المباحات في الإسلام هذا الدين الذي ماشاده أحد إلا غلبه كما قال سيدي رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وهو مابني علي البراءة الأصلية، فعندما لايأتي من الشرع حاضر (محرم) ولا مبيح محلل فالمسلم ذمته بريئة من التكلف، فكل فعل للمكلف من هذا النوع فهو مباح، فإذا عرفنا أن المحرمات في ديننا محدودة العدد محصورة فمساحة الإباحة فيه هي الأكثر الثاني : ماحرمه الشعر بنص في حالة ثم أباحه بعد ذلك بنص آخر مثل قول الله تعالي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) فالصيد حرمه الله بهذه الآية والمسلم متلبس بالإحرام؛ فاذا حله عادت الإباحة كما كانت لقوله بعد ذلك (وَإذا حَلَلْتُمْ فَاْصطادوا) وهذا أيضًا مما أبيح بنص من كتاب الله وسيبقي حتي تقوم الساحة مباحًا، ومنع الحكومات من الصيد أحيانًا لإسراف الناس في قتل الحيوانات وتقنين مدة الصيد لا يعني التحريم الثالث : ما أباحه الله بنص كما هو نكاح الكتابية في آية محكمة من كتاب الله نص علي الإباحة في قوله تعالى) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وفي قوله تعالي : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ) الآية وما أباحه الله بالنص وأجمعت الأمة علي إباحته ليس من حق أحد أن يحرمه وإلا كان جاهلًا بالشرع، وسيبقي مباحًا حلالًا حتي تقوم الساعة فالمحرم له مبتدع؛ لأنه صادم دليل الشرع الثابت وحرم مباحًا منذ شرع الله لعباده هذا الدين حتي اليوم، ولايقبل منه أي تبريرات لما يقول فهو بكل ما يقول مضادًا لما شرع الله ولو فتح هذا الباب لما بقي للمسلمين مباح أبدًا؛ فقد يجد فيه من لاعمل له خطرًا علي المسلمين .

لهذا قلنا أنه ابتداع لا اجتهاد؛ فالاجتهاد معلوم لمن له اطلاع علي أصول الفقه وأوصافه وشروطه والعلوم التي يجب أن يطلع عليها المجتهد، وهو لايكون هكذا مصادرة للنص القرآني بهذا الشكل.
وفقنا الله لما يحب ويرضي، وأرانا الحق حقًا ورزقنا اتباعه، وأرانا الباطل باطلًا ورزقنا اجتنابه.[/JUSTIFY]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى