المقالات

أدب الحَبُّوبَات

أدب الحَبُّوبَات
علي صالح طمبل

عُرِفَتِ الحَبُّوبَة (الجَدَّة) في الثقافة السودانية بأدبها الجمِّ وحيائها الشديد، حتى إن الحَبُّوبَات في زمن قريب لم يكن يخرجن إلا مُتَبَلِّمَاتٍ، لا يبدو من وجوههن إلا العينان، ويَسِرن على جانب الطريق، ويتجنبن الاختلاط مع الرجال.

حدَّثني أحد الأصدقاء عن جدَّتِهِ والدةِ أمِّه رحمها الله، كيف أنها لم تكن تأكل الطعام مع والده، ولا في حضوره، وحين كُفَّ بصرها كانت تسألهم إذا وُضِعَ الطعام أمامها:

– يا أولاد أبوكم في؟

[JUSTIFY]فإذا قالوا لها إنه موجود امتنعت عن الطعام حتى يذهب، وإن قالوا لها إنه غير موجود شدّدت عليهم في السؤال حتى تُوقن تماماً بغيابه، فإن شعرت في لهجتهم بريبة، تراجعت إلى الخلف، وأمسكت يدها عن الطعام!

وهكذا في كثير من بقاع السودان – إلى يومنا هذا – لا تأكل المرأة مع نسيبها (زوج ابنها) حياءً وتعففاً، بالرغم من كونه من المحارم بالنسبة إليها!

وجمع الحَبُّوبَات إلى جانب الأدب والحياء، قوة التعلق بالله، وعمق الإيمان، وحب الدين، حتى إن الناس يشبهون الإيمان الثابت الراسخ الذي لا يتزعزع بإيمان العجائز، ويقال إن الإمام الرازي رحمه الله، وهو الذي كانت له في سوح العلم وميادينه المختلفة صولات وجولات، تمنى أن يموت على عقيدة (عجائز نيسابور)!

وأذكر في هذا الصدد أنّ جدتي رحمها الله كانت تحب أن أقرأ عليها شيئاً من القرآن الكريم، فكنت أتلو عليها ما تيسر من الآيات، فتنهمر الدموع غزاراً من عينيها؛ حتى أشفق عليها! وأعجب ما في الأمر أنها رغم بكائها لم تكن تفهم شيئاً مما أقرأ عليها؛ لأنها لم تلتحق بمدرسة ولا دار لتحفيظ القرآن، وفوق ذلك كله لا تتحدث اللغة العربية؛ لأن لغتها التي نشأت وترعرعت عليها هي اللغة النوبية!

وأذكر أن الشيخ محمد سيد حاج رحمه الله قد أثنى في محاضراته وخطبه على أدب الحَبُّوبَات في غير مرة، واعتبرهن نموذجاً مثالياً للحياء والعفة؛ فما أخلق بفتيات ونساء اليوم أن يقتدين بهؤلاء العفيفات الطاهرات، في زمن افتُتن فيه نساء المسلمين بالغربيات، وأغرتهن الموضات والتقليعات والقدوات الزائفة والرموز المصطنعة التي يدفع بها الغرب إلى المجتمع المسلم؛ ليفسد الأخلاق وقبلها العقائد! وليتنا تعلمنا من الغرب حُبَّ العمل وتنظيم الوقت وعلو الهمة، ولكننا مع الأسف أخذنا رذائلهم وتركنا فضائلهم، وعنينا بالقشور وأغفلنا المعادن! حتى دخلنا معهم جحر الضب الخرب الذي تنبأ به النبي عليه الصلاة والسلام.

المسلمة الحقة تعتز بدينها وعقيدتها وحجابها، وتفخر باتباعها لكتاب الله تعالى وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وتصدع باقتدائها بأمهات المؤمنين والصحابيات – رضوان الله عليهن – ظاهراً وباطنها.[/JUSTIFY]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى