المقالات

في حيِّنا دكاكين

في حيِّنا دكاكين..!!
علي صالح طمبل

[JUSTIFY]في حينا دكاكين، ارتبط الناس بها، حتى أصبحت معلماً من معالم الحي، يصفون البيوت بها، ويشترون مستلزماتهم اليومية منها؛ حتى قامت بينهم وبين أصحابها علاقات تختلف من صاحب دكان إلى آخر.

هناك أصحاب دكاكين يحبهم الناس، ويثنون على أخلاقهم وصفاء سرائرهم، ويصفونهم بحسن المعاملة وطيب العشرة وطلاقة الوجه، فهم يبيعون بأرخص الأسعار، ويتساهلون مع من نقصت نقوده، بل ويستدين منهم من لا يملك مالاً حتى تتيسر أموره.

وفي المقابل هناك أصحاب دكاكين لا يذكرهم الناس بالخير، ويتهمونهم بالبخل والشح والجشع، ولا يُرَون إلا متجهمي الوجه مقطبي الجبين! يؤذون الناس بألسنتهم، وربما بأيديهم أحياناً! لا يجاملون أحداً في سعر سلعة من السلع، وإن نقص من سعرها فلس واحد! ولا يقرضون أحداً ولو أقسم أنه سيحضر المبلغ بعد دقائق؛ حتى كتب بعضهم (ممنوع الدين حتى ولو بعدين) وكتب البعض الآخر (حرمتنا الديون من رؤية الكثيرين، وحفاظاً على الباقين حرمنا الدين)!

غالب المنتمين إلى الصنف الأول من الذين يذهبون إلى المساجد إذا حضر وقت الصلاة، فيغلقون دكاكينهم أو يتركون بها أحد الأطفال ريثما يحضرون، ولا يبيعون محرماً مثل السجائر أو التمباك.

وغالب المنتمين إلى الصنف الثاني من الذين لا يغلقون دكاكينهم إلا لأمر طارئ قاهر؛ فيصلون أمام دكاكينهم صلاة عجلى، لا تدبُّر فيها ولا استحضار، يفكرون فيها في حسابات الربح والخسارة، ويلتفتون فيها بأعينهم يمنة ويسرة لعل زبوناً يريد الشراء أو لصاً يتربص بدكانهم. وإذا ترك هؤلاء دكاكينهم جعلوا عليها من يدير عملها نيابة عنهم حتى لا يتوقف العمل، إلا أن يحال بينهم وبين ذلك. وهم في الغالب ممن يبيعون المحرمات، من سجائر وتمباك؛ بذريعة أن الزبائن يسألون عنها وهم بالطبع لا يريدون أن يفقدوهم!

إذا قلت لأحد هؤلاء: أغلق الدكان وقت الصلاة! تعذّر بأنه أغلق الدكان ذات مرة فسُرق منه كذا أو كذا، أو أن الزبائن يأتون فلا يجدون أحداً! يبخل الواحد منهم بربع ساعة يصرفها في الصلاة في المسجد، مع أنه قد ينتظر حضور الزبائن وقت الصلاة فلا يأتيه أحد! بينما ينفق الساعات ليحضر بضاعة من السوق الفلاني أو المتجر العلاني!

وإذا قيل له إن السجائر والتمباك حرام قال: ولكن الزبائن يطلبهونهما، أما أنا فلا أتعاطاهما، وقد يتذرع بأن حكمهما مكروه كما يدعي وليس حراماً، وقد يقول أمثلهم طريقة: (الله يهدينا)! وهو في حقيقة الأمر يريد إرضاء الزبائن بتوفير المحرم، وإن أسخط عليه الخالق الرزاق!

الصنف الأول قوم قَوِيَ إيمانهم فعلموا أن الرزق من الله تبارك وتعالى، فتوكلوا عليه حق التوكل، وأخذوا بالأسباب، ولكنهم لم يعتقدوا فيها، بل اعتقدوا في المسبِّب لها، واطمأنت قلوبهم إليه، فلم يطلبوا الرزق بمعصيته سبحانه، ولم يقدموا حق المخلوق على الخالق؛ فلما أطاعوا الله أحبَّهم الله، وبسط لهم القبول والمحبة في قلوب العباد، ووفقهم إلى فعل الخير؛ وإذا أحب الله عبداً كتب له القبول في الأرض، كما في الحديث الشريف.

أما الصنف الثاني فقد ضعف إيمانهم، وقلّ توكلهم، واعتقدوا في الأسباب ونسوا مسببها، وظنوا أن الرزق لا يُنال إلا إذا حرصوا عليه واجتهدوا له، وأرضوا زيداً أو عمراً من الناس – وإن أسخطوا الخالق – فلا غرو أن يُكتب لهم البغض في قلوب الناس، وأن تجري ألسنتهم بالسوء في ذكرهم.

على مدى عشر سنوات على الأقل، ظللت أتابع الصنفين، فوجدت الصنف الأول موفقاً في حياته، قانعاً في عيشه، مباركاً له في رزقه، تزداد محبته في قلوب الناس، ويرتفع ذكره بينهم. وما اختار موقعاً لدكانه إلا ووفق فيه، واستقر فيه سنين عدداً.

أما الصنف الثاني فوجدته نكد العيش ضيق الصدر، بغيضاً في قلوب الناس، غابت القناعة عن نفسه؛ فأكثر السخط والتشكي، وضعف الإيمان في قلبه؛ فازداد حرصه على الدنيا. ولكنه ياللعجب! لم يختر موقعاً لدكانه إلا وفشل فيه، واضطر لإغلاقه بعد مدة، لينتقل إلى موقع آخر، فيبدأ فيه ذات المسلسل دون أن يتعظ! وأبى الله إلا أن يخزي ويذل من عصاه! .[/JUSTIFY]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى