ذات يوم حدثتني نفسي بأنني قد أرتاح من الطلعات المكوكيّة لشراء مستلزمات المنزل اليومية ببلوغ أحد الأبناء السن القانونية للحصول على رخصة قيادة خاصة , ذهبنا سوياً لمدرسة تعليم قيادة السيارات وكانت الصدمة الأولى فما يتم تعليمه في تلك المدارس لايزال على حاله منذ أكثر من ربع قرن , نفس الأساليب والطرق والمواد التعليمية ( [COLOR=green]إذا فرضنا أن تعليم إشارات المرور على الورق من المقررات المرورية[/COLOR] ) وحقيقة راودني الشك أن معلمي القيادة أو المدربين لم يتم تبديلهم منذ ذلك الزمن , والله أعلم .
الصدمة الأخرى والكبرى كانت عند مراجعة إدارة المرور لإنهاء إجراءات استلام رخصة القيادة , بدأناها بالمعمول به سابقاً مجموعة لايستهان بها من النماذج الورقية وتسجيل المعلومات الشخصية في تلك الأوراق . هنا راودني سؤال يقول : في ظل الانتقال المشهود إلى عالم حوسبة المعلومات ما الفائدة من كل تلك الأوراق طالما بإمكان جميع الدوائر الحكومية الحصول على ماتريده عن الفرد من بطاقة السجل المدني ( بطاقة الأحوال ) أم أنه الروتين والرغبة في استمرار ( [COLOR=crimson]السيد الأرشيف [/COLOR]) كما كان , بالطبع تجاوزت هذا السؤال الذي يراود الكثيرين غيري لأنتقل إلى الواقع الحاضر فبعد تجهيز جميع المتطلبات من البيانات مددت يدي بالأوراق للموظف الجالس أمام شاشة الحاسب , رفع نظره إليّ ثم نظر لأوراقي , تفاءلت خيراً كعادة المؤمن المحتسب في المواقف الصعبة إلا أن تفائلي مالبث أن تلاشى مع أول كلمة ينطقها ذلك الموظف والتي لم يزد عليها كثيراً ([COLOR=crimson]الكمبيوتر عطلان راجعنا بعدين [/COLOR]) .
هنا تذكرت قول المختصين في الإنقاذ” إذا أحسست بصدمة تنفس بعمق وتعامل مع الموقف بهدوء ” محاولا تطبيق ما هداني اليه تفكيري تنفست الصعداء وخاطبت الموظف بقولي : ( طيب شوف الأوراق كاملة ) , قال هو في صيغة الآمر المتضجـّر ( ياخوي قلنا لك الكمبيوتر عطلان لاتشغلنا ) تراجعت قليلا مشدوهاً من قوله أنه مشغول فإذا كان الكمبيوتر عطلان وعلى مانسمع اننا في زمن الحوسبة والقرية الرقمية التي تخلو من الأوراق , ياترى بماذا ينشغل هذا الموظف ؟
ذهبت لمدير الشعبة وأخبرته بالحال متوقعاً إيجاد الحل في الحال إلا أن ماتلقيته من رد لم يكن يخطر على بال فقد طلب مني أن أعود للموظف واحصل على ( ورقة مراجعة ) هنا استرجعت الماضي وما تعنيه كلمة الحصول على ورقة مراجعة , تعني ببساطة أنه لابد من تكرار الزيارة لأيام عديدة وهو ماحدث فعلاً . اليوم الأول ( ورقة مراجعة ) اليوم الثاني ( راجعنا بكره ) اليوم الثالث ( خذ رقم التلفون وسلّم على من يرفع السماعة ) اليوم الرابع ( ردد مطولك ياليل ) اليوم الخامس ( نهاية الأسبوع .. الموظف مستأذن ) تمر الأيام وتموت الفرحة ولايبقى إلا ( راجعنا بعدين ) وسيادة الروتين وبعض مواويل ياليل ياعين للمراجعين . ودمتم سالمين
[ALIGN=LEFT][COLOR=green]عطية الخلف[/COLOR] كاتب صحفي[/ALIGN]