حاول أن تكون متوازنًا أو مُت وأنت تحاول
لجين ريان سمباوه
مدرب معتمد في التنمية البشرية وتطوير الذات
لا أخفيك سرًا أنني تعلمت في هذه الأيام القليلة الماضية ألا أثق في المغالين أو المتطرفين في أي موضوع ولو كان خيرًا. فهم ككفة الميزان قد يكونون في جانب، ويتحولون للجانب الآخر بنفس القوة. قد يحبونك في لحظة .. وقد يتحولون لألد أعدائك في لحظة أخرى.
فخلف التحيز أو المغالاة أو التطرف .. مبالغة مفتعلة لأهداف خفية تختبئ في بطونهم؛ فيظهرون إما بحماس المحب من أول نظرة؛ أو بكاره قوي مترصد بتركيز. مما يجعلك تصاب بدهشة اللقاء الأول، والكثير من التساؤلات عن منشأ البدايات مع الوقت قد يتبدل كل ذلك الحب أو الكره المغال أو المتطرف أو المتزن إلى شيء آخر قد يصدمك.
عَنْ أبي هريرة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ” أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا , وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا . “رواه الترمذي وصححه الألباني، لا أدعوك هنا لتكون باردًا في المشاعر أو متبلدًا، ولا أدعوك لأن تكون سلبيًا، لكن فقط كن واعيًا عند تكوين علاقات جديدة بالذات عند البدايات، فلا تغتر بالاندفاع؛ ولو كان خيّرًا، ولا تندفع وراء الكره – أو ما تعتقد أنه كره -؛ ولو كان شرًا ظاهرًا، فأنت لا ترى ما يجب أن يُرى، بل ترى ما تريد أن تراه.. بل وحتى التطرف في الاتزان، تطرف لابد من الحذر منه، فمن الطبيعي ألا تكون متزنًا بالكامل، فلو كنت تعتقد ذلك، فذاك أكبر قناع قد ترتديه في حياتك، طبيعي أن تكون أنت وأكون أنا متطرفين مغالين في أمر ما، نغالي في الشعور بالمسؤولية في الحب، في العطاء، في الفرح، وغالبًا يتبعها صدمات قوية تكون كما نقطة تحول في المسار، وقد نتحول أيضًا إلى متطرفين في التعبير عن قراراتنا الجديدة التي تلت تلك الصدمة، فنتوعد أو نندم بتطرف، فلتكن إنسانًا طبيعيًا واضحًا، يغضب، يحزن، يمل، ويعبر. حاول أن تكون متوازنًا أو مُت وأنت تحاول.
قد يظن البعض أن التطرف أو المغالاة في تطبيق قيمة معينة هو أمر إيجابي، فمثلًا تجده يتحدث عن قيمة بر الوالدين بكل قوة، ويحاول أن يكون نموذجًا فيه، فتراه يعيش بلا استمتاع؛ لأن ليس لديه وقت لأدواره الأخرى في الحياة، ربما لأنه انغمس في البر ولم يوازن الأمور الأخرى التي قد يكون لها نفس الأهمية، فطغى دور الابن البار على دور الزوج أو الأب، فالزوجة مثلًا قد تغالي في تقديم فروض الولاء والطاعة لزوجها حتى نست أن عليها أن تقدم ذلك لنفسها أولًا ولأبنائها أو لمجتمعها، وفي الغالب تكون النتيجة إما الاستغلال أو التهميش من قِبل من تغالِ أو تتطرف في حبهم أو بغضهم، والقصص الواقعية مليئة بالشواهد، إذًا حاول أن تكون متزنًا، ولا تفني حياتك في التطرف.
ولو لاحظت أن أدوم الصداقات وأصدقها هي التي قد تشكلت ببساطة، فالبسطاء، والمتزنون بلا تطرف، أو من نعتقد أنهم أصحاب المشاعر الباردة، هم الأصدق في منح العواطف؛ لأنهم تذوقوا وعاشوا تفاصيل الاستمتاع بتكوّنها بلا اندفاع أو تعجل .[/JUSTIFY]