#في_ضيافة_الكتاب
وقْفَة .. مع “سيلفي” ماجد عبدالله
أ. حسن محمد شعيب
الأول كان في سفر طلاب مدرستي بجهودهم الشخصيّة وموافقاتهم العائلية ؛ لحضورِ المعرض وقد حمل كلٌّ منهم قائمتَهُ من الكتبِ التي يبحثُ عنها في تنظيمٍ واتفاق أبهَرَني فيهم وسط كل هذا التشاغل الشبابي من حولهم بالتعصّب الرياضي للأندية المحلية والعالمية ، وانهماك غيرِهم في ملاهي التقنية والفتن المتساقطة كقطع الليل ؛ أنْ تولد بين هذا الرّكام تلك الرغبة من شبابٌ يقطعون مسافة ألف كيلومتر من أجل حفنةِ كتب يشغلون أوقاتهم بقراءتها وهم مستمتعون بها وبرحلتهم إليها !
السبب الآخر هو تلك الوَقْفَة التي كانتْ بمعيّة الدكتور ماجد عبد الله مهدي بعد توقيعه كتابه البِكْر “سيلفي والظل المخفي” في دار كلمات الكويتية بمعرض الكتاب ؛ حيث التقيتُه لأول مرّة وجهاً لوجه وقد كنّا نلتقي إلكترونياً قبلها بسنوات ؛ حين كان يكمل دراسته العليا بالخارج ، وما أجمله لقاء تبادلنا فيه شؤون الثقافة والكتاب أثمرَ بإهدائه كتابه “سيلفي” الذي لاقى قَبُولاً جماهيرياً كبيراً نفدتْ معه الطبعة الأولى خلال أيام المعرض .
حمل هذا الكتاب 24 مقالةً قصصية جميلةً في قضايا اجتماعية وتربوية رائعة بأسلوب أدبي نقي سهل ممتنع يحاكي فيه الكاتبُ الأديبَ المصري مصطفى لطفي المنفلوطي الذي بدا تأثّره الكبير بأسلوبه في كتابة المقالةِ جميلةِ العبارةِ في غير تكلّف مع التركيز على إثارةِ العواطف واللّعب على الوجْدانيّات والتي تمثّل مدرسة المنفلوطي الإنسانية في الكتابة النثرية المرتكزة على القِيَم ، بل إنّ الكاتب تشرّبَ قُدْوتَهُ حتى باتَ يَحْكيهِ في اقتباسَاتٍ من “نظراته” .
ومنذ الصفحات الأولى للكتاب يطالعُكَ الكاتبُ ينشدُ حباً مختلفاً عبر تساؤلٍ حيّره : لماذا نعجز نحن البشر لا ننعم بالحب فيما بيننا ؟! لتجيب مقالاتُه في قوالبَ قصصيّة ، متخذاً من صورة الـ “سيلفي” الذاتيّة عدَسَةً مكبِّرة لما توارى من شُخُوصِهِ خلفَ الظلال الخفيّة ، صِيغتْ تلك المقالات بأسلوب ذاتيّ يحكي تجارب الكاتب ومواقفَهُ الشخصيّة التي ينفذُ من خلالِها إلى لُبِّ القضيّة التي ينسِجُ حوْلها ثوبَه القصصي نابعاً من واقِعِ المجتمع الذي عاشه مَحلياً أوفي غربته ؛ ببَاصِرَةٍ شديدةِ المُلاحظة والإحساس بالأحداث الإنسانية من حوله .
ورغم أن الكاتبَ متخصصٌ في علوم الحاسبات إلا أنه يملك بين جوانحه شاعراً رقيقاً يتفطّر إحساساً صادقاً يلامس قلب من يقرأ له بعذوبةٍ ساحرة ، وقد يفيض الشعر لديه أثناء الكتابة ؛ فيختم مقالته ببيتين معبّرين من نظمه ، وقد يبني مقالته على وحي الشعر فيكون سابقاً للمقال في تناسق وكمال .
دارتْ معظمُ نصوص الكتاب حول مواقف إنسانيّة في حياة الأسرة : آباءً وأمهات ، وإخوة وأخوات ، وفي خارجها أصدقاء وأفراداً في مجتمع الإنسانية الكبير ، وغالباً تبدأ المقالةُ بقصة ثم تُختم بتوجيه أخلاقيّ وسُلوكيّ في ترابط واسترسال مُتْقن ، وقد يستخدمُ الكاتبُ العاميّة في بعض العناوين مثل : نص ريال ، موية مقري عليها ، إش مكتوب هنا يا دكتور .. إمعاناً في واقعيّة القضية المطروحة .
والكتاب في الجملة وجبة أخلاقية قيَميّة عذبة مُسْتساغة ، لا تخلو قراءته من متعةٍ ؛ خاصةً وأنه يخاطب الوجدان في إنسان هذا الزمان الغارق في زخرف العيش وطغيان مادته ؛ علّه يلبي نداء الإنسانية في ضميره ؛ فيستيقظ وتطيبَ الحياة .
ختاماً يعدّ د.ماجد من الكُتّاب المكيينَ الشباب الذين يستحقون التشجيع على تلك الكتابة الراقية واللغة الساحرة والأسلوب الخلاق ، وقلمُه الرّطب جديرٌ بتصدّر زوايا صفحات الصحف والمجلات أكثر من كتّاب المَحْسُوبيّات ممّن توصف أسماؤهم بالمستشار والخبير والباحث في كذا وكذا ادّعاءً ؛ والحقيقة أنه لم يزل باحثاً ولكن عن ذاتٍ متضخّمة من خلال أيّ شيْء يُعبّرُ عنهُ ويُظهرُهُ أمام الناس ، وإنْ كانَ بقلمٍ مُسْتعارٍ يكتُبُ له ويصحّح أخطاءَهُ المُزْرِيَة بالصّغارِ فَضْلاً عن الكِبَار !
* مِن آخِرِ السّطْر :
التقاط صورة ذاتية “سيلفي” يحتّم عليك وقفةً مع صاحبها في هذا الجوار الذي يملي على المصوِّر تقدير ذلك المختار وتقييمه بصورةٍ أو بأخرى لن تُزيحَكَ خارجَ الإطار الذي وضعكَ القدرُ فيه ؛ توثيقاً لذِكْرى جمعتْكم بدون ميعاد شاهدةً على ميلاد حكايةٍ ستتوالى فيها الأحداث .
[email]Shuaib2002@gmail.com[/email] [/JUSTIFY]