المقالات

إسعاف أهل الإيمان بوظائف شهر رمضان

“إسعاف أهل الإيمان بوظائف شهر رمضان”
حسن محمد شعيب

[CENTER][IMG]https://pbs.twimg.com/media/CIOr_fAUEAAWgt8.jpg[/IMG] [/CENTER]

مِنْ عادةِ المكيين في مجالسِ العِلمِ المكيّة بشهرِ رمضانَ وقُبَيْلَه بعضُ التهيئةِ العلميةِ لشهر الصوْم الفضيل من خلال فِعْلِ القراءةِ والتماسِ المَعْرفة وقطفِ الفائدةِ بين العامة والخاصة ، ومن أشهرِ ما كان يُقرأ من كتب في ذلك كتابُ “إسعاف أهل الإيمان بوظائف شهر رمضان” لفضيلةِ الشيخ العلامة حسن بن محمد المشاط ( المتوفى 1399هـ ) أحدُ كبار علماءِ المسجدِ الحرام بالقرْنِ الماضي ، وحلقتُه فيه خرّجتْ الكبارَ من العلماء ومن أشهرهم شيخنا الفقيه المُحقق الدكتور عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة .

لقد حرِصَ علماءُ المسجد الحرام في القرن الرابع عشر الهجري على رفْعِ العامةِ إلى عوالي الفوائد الهامة عبر التأليفِ تبسيطاً في فقه العبادات التي يحتاجُها الناسُ مُلخّصةً موجزةً بعيداً عن مُتُونِ الفقهِ الكبيرة ومصطلحاتها الخاصة بطلبة العلم .. ولأنّ رمضانَ موسمٌ عظيم كان لابد من التفقّه في أحكامه وآدابه ما يُقرّبُ إلى جَنْيِ ثماره وارتقاء فضائلِ أعمالِه ؛ فكانت مبادرةُ الشيخ حسن المشاط في ذلك الزمان بجَمْع أحاديثِ رمضانَ من دواوينِ السنةِ المحمديّة مما يحثّ على القيام بوظائفه ويحتاج إليه كل إنسان ، وقام بالتعليق عليها شرْحاً وتوضيحاً وتوجيهاً .
بلغتْ مباحثُ الكتاب بحسب عناوينه 28 مبحثاً تتدرّج في أحوال وأحكام شهر رمضان المبارك منذ تشريعِه ورؤيةِ هلالِهِ حتى تمامه بصدقةِ فِطْرِه وإحياءِ ليلةِ عيدِه ، ومن الأمثلة عليها : ما جاء في وجوب صوم رمضان ، ما جاء فيما يثبُتُ به شهر رمضان ، ما جاء في فضل الصوم ، فضل رمضان في مكة المكرمة ، فضل الصوم في المدينة المنورة ، كيف كان ( صلى الله عليه وسلم ) في رمضان ، وقت السّحور من الليل ، ما جاء في السِّوَاك للصائم ، ما جاء في كفّارة رمضان ، ما جاء في الاعْتِمار في رمضان ، ما يُطلبُ في العَشْر الأواخر من رمضان وبيان ليلة القَدْرِ وذكر علاماتِها ، الترغيب في إحياء ليلة العيد والتكبير فيه وفضله .

وطريقةُ المؤلّف بالكتاب تقومُ على ذكرِ الحديث في أول المبحث بسنده ومصادر روايته في كتب الحديث ، ثم يشرحه بين الإجمال والتفصيل بحسب الحاجة لبيان ألفاظه مع ذكر الشَّواهِد الحديثية الأخرى وما وَرَد عن الصحابة والسلف الصالح من آثار مُسنَدة ، ويختمُ المبحث أحياناً بتوجيهِهِ وتعليقِهِ الخاص الذي يبدأه بـ ( قلتُ ) ويغلبُ عليه الوَعْظ والإرشاد .
وتظهرُ جَلِيّةً آثارُ جامِعَةِ المسجدِ الحَرامِ في شُرُوحِ وتَقْريراتِ الشيخ حسن المشاط بهذا الكتاب ، والقائمةِ على التنوُّعِ الفِقْهي المُغْتَرِف من مَعِينِ المذاهب الأربعة ( الحنفية ، المالكية ، الشافعية ، الحنبلية ) ؛ حيث تحضُرُ آراؤهم الفقهية في المسائل دون أيّ تعصّبٍ وفي حِيَادٍ تام دون تغليبٍ لمذهبه ( مذهب الإمام مالك ) ، فتجدْهُ يعقّب أحياناً في المسألة بقوله “هذا هو الذي فهمهُ أئمةُ الهُدَى المَتْبُوعُون من الآية والحديث والسنة ، وقرّروه في كتب الفقه المعتبرة” ويبيّن ما في المسألة من مذاهب شاذة انعقدَ الإجماع دونها ، ويقرّر الأولوية فيها تقليد أحد الأئمة الأربعة المجتهدين المشهورين الذين ضُبطتْ مذاهبهم ، وخُدمتْ على الكتاب والسنة ، وظهر آثار نفعها شرقاً وغرباً ، ولا يزال انتشارها والعملُ بها إلى يوم القيامة بفضل الله تعالى .
وتحضرُ الشواهدُ الشّعْريّة في بعض المَبَاحِثِ بجَوْدَةٍ في الانتقاء وتوفيقٍ في الاصْطِفاءِ مع القُدْرَةِ اللغوية على الشرح والتوضيح لدقائق المعاني ؛ مما يكشِفُ عن عالمٍ متمكّنٍ في علوم العربية وآدابها ، وليس ذلك بغريبٍ في علماءِ المسجد الحرام الذين جمَعُوا بين العلوم الشرعية وعلوم الآلة بشكل مُتقن .
كما لا تغيبُ إسقاطاتُ المؤلف على الواقعِ المُعاش ، وما عليه أحوال الناس اتفاقاً واختلافاً ، وغالباً ما يختمُ تعليقه هنا بالدعاء وأحياناً يذكر تعليقَهُ في صورة ( فائدة ) مقتبسة من مصادِرِها تؤيّد الحال ، بل إنه يستحضرُ الفتاوى الحديثة للعلماء مثل العلامة محمد عُلَيْش المالكي في فتاواه .
وختمَ المؤلفُ الكتابَ بخُطْبةٍ مؤثرةٍ في وَدَاع رمضان امتلأت بدُرَرِ الكلام البليغِ المُذيبِ لأفئدةِ أهلِ الإيمانِ من أهلِ رمضان ، كلاماً يُبكي على حالِ مُعْظمِ الناس في رمضان من غَفْلةٍ وتَقْصير ، خاتماً الخطبة بدعاء رّقيق في وداع شهر الصيام .
إنّ من أبرّ البرّ بالعلماء خِدْمةُ تراثهم العلمي وتعاهُده بالقراءة والنشر بين الناس ، وقد سخّر الله لهذا الكتاب تلميذَ المُؤلف الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ؛ فاعتنى بإعادة طبعه في طبعتِهِ السّادِسة التي ضمّت مقدّمةً جَليلة حَوَتْ مباحثَ مهمة فيها : ترجمةً للمؤلف ، وبرنامجه اليومي في شهر رمضان ، إضافة إلى مبحث في مظاهر احتفاء المكيين بشهر الصوم في نهاية القرن الرابع عشر الهجري ، وبعض مؤلفات العلماء المكيين في صيام الشهر المبارك ، والتي منها هذا الكتاب وكذلك ما يلي من كتب كالتالي :
– كتاب “إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام” للعلامة أحمد بن حجر الهيثمي المكي ( المتوفى عام 973هـ ) .
– كتاب “إيقاظ الغفلان وسلوة الإخوان في قراءة المواعظ في رجب وشعبان ورمضان” للشيخ عبد الستار بن عبد الوهاب الدهلوي ( المتوفى عام 1355هـ ) .
– كتاب “الصيام أحكامه وخصوصياته وأحكام متفرقات أخرى” للشيخ عبد الفتاح بن حسين راوه ( المتوفى عام 1424هـ ) .
– كتاب “الشمائل المحمدية” لصاحب السنن أبي عيسى الترمذي ( المتوفى عام 279هـ ) .
– كتابا “الحكم العطائية” و”التنوير في إسقاط التدبير” لابن عطاء الله السكندري ( المتوفى عام 709هـ ) .
– كتاب “الشّفا بحقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم” للقاضي عياض ( المتوفى عام 544هـ ) وهو ما زال يُقرأ حتى الآن في المجلس الرمضاني لأخي السيد أحمد بن محمد علوي المالكي .

* مِن آخِرِ السّطْر :
لعلّ من القَبُول والعُبُورِ الحَضَاري لهذا الكتابِ الجليلِ طباعته عدّة طبَعات ، وأنّهُ ما زالَ حتى الآن يُقرأ في المَجالس العلمية المكيّة ؛ حيثُ حضرْتُه سابقاً ومؤخراً في مجلس أخي السيد علوي بن عباس المالكي ، وفي مجلس “رياض الجنة” لأخي الشيخ الدكتور محمد بن إسماعيل الزين وغيرهما من المجالس التي لا تخلو مساءاتُها الرّمضانية من كُتبِ أهلِ العِلمِ قراءةً وشرْحاً وتعليقاً .

——————————–
[email]Shuaib2002@gmail.com[/email]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى