المقالات

الاندفاع نحو حضن الدب الروسي

تناولت وسائل إعلامنا المحلية وبعض وسائل الإعلام الخارجية خبر زيارة ولي ولي العهد السعودي لروسيا خلال اليومين، وهي زيارة الحق يقال بأنها زيارة تاريخية بما تضمنته من توقيع اتفاقيات مختلفة من أهمها ما تضمن المجال العسكري والاقتصادي. ما لفت انتباهي في تلك الزيارة وماتضمنته من اتفاقيات وبروتوكولات هو توضيح الرئيس الروسي في المؤتمر الصحفي الرئيسي موقف بلاده الثابت من الضغوطات الغربية، وعدم خضوعهم لأية تهديدات للمقاطعة، وأنهم ماضون في سياساتهم الثابتة ونهجهم وإن مواقفهم لن تتغير من السياسات الدولية وحلفائهم في المنطقة، المدهش في الأمر التحليلات الصحفية والسياسية التي خرجت من لدنا عن نتائج تلك الزيارة من قبل بعض الكتاب السياسيين والمحللين لدينا وتصويرهم للنتائج المذهلة لتلك الزيارة واتفاقياتها، وبأنها ستصل بنا لأفق السحب ولصفوة دول العالم الأول، وقولي لهؤلاء الأشخاص اتقوا الله فينا وفي توقعاتكم وتخيلاتكم التحليلية، ولتكونوا أكثر واقعية ومنطقية وعملية في رؤيتكم، نعم الزيارة تاريخية من حيث اتفاقياتها والتي سيتحملها اقتصادنا الوطني، ولكنها في نفس الوقت أتت على هامش المنتدى الاقتصادي في مدينة بوسطبرغ وحضور وفدنا كان من ضمن الـ ٧٠ وفد العالمي الذي حضر لهذا المنتدى الاقتصادي، ونعم إن المملكة فتحت قنوات تعاون اقتصادي ولأول مرة وبهذا التنوع مع الدب الروسي، وهو أحد مكونات القوى العظمى العالمية، هذا الذي الذي لن ينسى أن لدينا حليف أزلي آخر يتمثل في الحمار والفيل الأمريكي وإن تغير مزاجهما لفترة من الفترات، فالدب يعرف بأنهما صديقانا اللدودين منذ القدم والتأسيس، ونحن نعلم جميعًا بأن هذا الدب له موازين قوى لن يتناساها بسبب التوقيع على بعض الاتفاقيات والتى بلغ مجمل الإنفاق فيها على عشرة مليارات دولار أمريكي وليست روبل روسي، هذا الدب الذي لن ينسى التاريخ وما به من مواقف مختلفة حيال العقيدة الشيوعية وموقفنا منها “وللمعلومية لازال متمسك بها وقد صرح بوتين صحفيًا بذلك على جانب المؤتمر أعلاه ” ولن ينسى الروس حرب أفغانستان وموقفنا منها ولن ينسوا حرب الشيشان أيضًا، وماتم بها ولن ينسوا الدعم اللوجيستي للجمهوريات الإسلامية المنفصلة عنهم، وأعتقد أن هذا الدب لن يتزحزح قيد أنملة عن موقفه كما فعل في حرب الكويت إلا بعد أن أعطى قطعة كبيرة من السكر، ولكن هذه الأيام فالأوضاع تغيرت والتوازنات أكبر وأعظم وهو يعلم ذلك، وكلنا نعلم إن الدول العظمى لن تغير سياساتها بين ليلة وأُخرى أو بناء على صفقة هنا وهناك، إن روسيا الاتحادية لا ولن تتخلى عن عقيدتها ومبادئها الشيوعية وعداوتها للقوى الرأسمالية، وأقول لهؤلاء المحللين كما يقول أهل مكة (لا تلقطوا الكبيبة من فم القدر) أو كما يقول أهلنا في نجد (اركدوا ولا تطيروا بالعجة)؛ فالتوازنات السياسية تغيرت والقوى السياسية وموازينها هي الأخرى تغيرت وقد يكون السياسي لدينا قد غيّر من مواقفه الهادئة والراكدة بعد الربيع العربي إلا أن المتفق عليه بأن الكل يلعب على مصالحه، وهذه الدول تضع مصالحها في المقام الأول، وكم كنت أتمنى أن تحركنا وصفقاته في الفترة الأخيرة وبما صرف فيه من مليارات سواء أكان على الجانب العربي “لبنان، مصر، سوريا” أو دوليًا (أمريكا، فرنسا، بريطانيا، روسيا) كان اتجاهه نحو بناء التحالف الداخلي للوطن ومكوناته الأساسية ومن أهمها راحة المواطن ومواطنته ومعيشته وتنمية البنية الأساسية والبنية التنموية المستديمة للبلد، فالجبهة الداخلية أبقى وأجدى من أي تحالفات خارجية وقد ثبت لنا ذلك على المدى القريب وقبل كم شهر في بداية تكوين تحالفاتنا ضد عدونا الحوثي، إن محاربتنا للجهل والبطالة والفقر وبناء الإنسان وطمأنته ببناء المصانع المنتجة والمدن الصناعية الحديثة والمعاهد الصناعية والإليكترونية والمدن الطبية والمواصلات التي تربط كل جزء من الوطن ببعضه البعض هو ما سيدوم، وسيكون السد المنيع لهذا الوطن لأي اختراق أو اعتداء خارجي أو داخلي، وخلاف ذلك ستذهب التحالفات ومعها البناء في مهب الريح عند أي عاصفة مدمرة فالبناء الدائم لا يصمد إلا بالصخر وليس بالورق والزجاج ، حفظ الله البلد الأمين.

لواء م. طلال محمد ملائكة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى