#نقطة_حبر
. وأختم هذه المقالات بمناسبة عيد الفطر بما ذكره أبو الفرج الأصفهاني قال : أتى نصيب مكة فأتى المسجد الحرام ليلا، فبينما هو كذلك إذ طلع ثلاث نسوة فجلسن قريباً منه وجعلن يتحدثن ويتذاكرن الشعر والشعراء، وإذا هن من أفصح النساء. فقالت احداهن : قاتل الله جميلاً حيث يقول :
وبين الصفــــــــــا والمروتين ** تختـــــلف ما بيـن ساع وموجفِ
وعند طوافي قد ذاكرتك ذُكرة ** هي الموت بل على الموت تضعف
فقالت الأخرى : بل قاتل الله كثيرِّ عزة حيث يقول :
طلعن علينا بين مروة والصفا ** يَمُرن على البطحاء مور السحائب
فكدن لعمر الله يحدِثْنَ فـــتــنة ** لمختشع من خشية الله تــــــــــائبِ
فقالت الأخرى : قاتل الله ابن الزانية نًصيبا حيث يقول :
أُلام على ليلى ولو أستطيعهـا ** وحرمــة ما بين البنيـــه والســـتر
لِملت على ليلى بنفـــــي ميلة ** ولو كان في يوم التحالق والنحــر
فقام نصيب فقال لهن : إني رأيتكن تتحادثن شيئاً عندي منه علم . فقلن : ومن أنت ؟ فقال : اسمعن أولاً . فقلن هات . فأنشدهن قصيدته التي أولها :
ويوم ذي سَلَم شاقتك نائحة ** ورقاء في فنن والريح تضطرب
فقلن له : نسألك بالله وبحق هذه البنيه من أنت ؟ فقال : أنا ابن المظلومة المقذوفة بخير جرم نُصيب . فاعتذرت إليه القائلة وقالت : والله ما أردت سوءاً وإنما حملني الاستحسان لقولك على ما سمعت فضحك.
وكان نصيب عبداً أسود اعتقه مولاه .
وحكى الأصفهاني أيضاً عنه فقال :
دخل نصيب على عبد الملك (الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان) فتغدى معه ثم قال : هل لك فيما نتنادم عليه . قال : لوني حائل وشعري مفلفل وخلقتي مشوهة، وما بلغت ما بلغت من اكرامك إياي بشرف أب أو أم أو عشيرة، وإنما بلغته بعقلي ولساني، فأنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تحول بيني وبين ما بلغت به هذه المنزلة منك فأعفاه .
وقال محمد بن عبد ربه : دخلت مسجد الكوفة فرأيت رجلا لم أر قط مثله ولا أشد سوادا منه، ولا أنقى ثيابا منه، ولا أحسن زيا فسألت عنه فقيل : هذا نصيب، قدنوت منه فحدثته ثم قلت له : أخبرني عنك وعن أصحابك، فقال : جميل إمامنا، وعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال، وكثير أبكانا على الدّمن وأمدحنا للملوك، فقلت له : إن الناس يزعمون أنك لا تحسن أن تهجو، فضحك ثم قال : أفما تراني أحسن أن أجعل مكان عافاك الله أخزاك الله ! قال : قلت : بلى . قال : فإني رأيت الناس رجلين : إما رجلاً لم أسأله شيئاً فلا ينبغي أن أهجوه فأظلمه، وإما رجلاً سألته فمنعني فنفسي كانت أحق بالهجاء ، إذ سولت لي أن أسأله وأن أطلب ما لديه”.
همسة :
كن ابن من شئت واكتسب أدبا