إيوان مكةخواطر قاري

من الأخلاق الارتقاء بالأذواق

حلّتْ مواقعُ التواصلِ الاجتماعيّ بامتدادِها الأفقيّ مُتيحةً المشاركةَ التعبيرية للجميع وبشتّى أشكالِها المَقروءةِ والمسموعة والمشاهدة ، في حِرَاكٍ شاركَ فيه – على نفسِ المَساحة – المفكرُ والأديبُ والمُثقفُ وعامةُ الناسِ منْ خارجِ الدائرةِ في تعدّدية تفكيرية واختلافات ذوقيّة فرضَتْ وجودَها على السطح ، واحتملتْ معها جماهيرَها المتوافقة عقلاً وهوىً في منحى مؤثّر وخطير على اتجاه الذوق العام ؛ إذا لم يتداركه بوَعْيٍ أهلُ الأذواق السّليمَة المَبنيّةِ على الأخلاقِ قبلَ كلّ شيْء ؛ فقد تتغيّر وتتبدّل الكثيرُ من المَبادئ إلى نَقائِضَ يعلُو القبيحُ فيها المليحَ من السّلوكِ شُيُوعاً يُؤسّس للتقبّل اللاواعي !
فساحةُ التواصلِ المَطرُوحة تحملُ الغَثّ والسّمينَ ، وحتى السمين في بعضِهِ السُمُّ بالدَّسَم ! وقليلٌ مَنْ ينشرُ وهو يَعِي أبعادَ ما يكتبُ ؛ بأنّ كل كلمةٍ منهُ أمانةً ومَسؤولية سيتحمّل وِزْرَها حُسْنها وقُبْحَها نواتِجَ بالمجتمع وأجيالاً باتتْ تتربّى على تلك الصفحات في مُعظم تلقّيها الأخلاقي والسلوكي في ظلّ التخاذل المُجتمعي المقصود أو غير المقصود عَجْزاً أو قلَة حِيلةٍ أمامَ سيْلِ وبَسَاطةِ تلك الصفحات التواصلية وجاذبيّتها للجمهور صغاراً وكباراً .
وفي غَمْرةِ هذا السّيل الجارِف بكل شيء ؛ هناك سُفُنُ نَجَاةٍ بينَ مَوْجَةٍ وأخرى تحملُ الذوقَ والجَمالَ والأخْلاق ، فكمْ من صفحةٍ تبثُّ كلّ جَميل من فِعْلِ الكِرَام ومَحَاسنِ الأقوالِ مع ما تبثّهُ من رَسَائلَ سُلوكية رَاقية تعلُو بالذائِقة الإنسانية وتغذّي الرّوحَ والفِكرَ ، وتفتحُ مَسَاحَاتٍ للتأمّلِ والتدبّرِ في سِرّ الوُجودِ ومَعَالي الغايات .
فعلى الرغم من مَيْلِ كثيرٍ من صفحات التواصل الاجتماعي إلى مُجرّدِ التسلية والفُكَاهة إلا أنّ هناكَ مَنْ جمَعَ بينَ الحُسْنَييْنِ فيما تحملُهُ كتاباتُه التي تحلّتْ بصفاء الانتقاء وبَهَاء الكساء ؛ فغذّى العينَ والروحَ والعقلَ معاً .. وتلك هِبَةُ اللهِ وتوفيقُهُ لمَنْ هدَاه ، ولعلي أمثّل على ذلك – بحسب متابعتي – بصفحات بعض الخطاطين المتميّزينَ في موقع الانستجرام الاجتماعي مثل : الخطاط عبد الله الزهدي ، والخطاط عبيد النفيعي اللذين برَعا في تقديم دُرَرِ الكلام آياً وحديثاً وأثراً وشعراً ونقولاً مأثورة في غاية الكمال عبر خَطِّها بخطوط فائقةِ الإتقان ، ويزيدُ عبد الله الزهدي رَوْعةً على الخط برسوماتِهِ الرّمزيّةِ جنباً إلى جَنْبِ حُرُوفهِ المُتقنة في لوحات من الإبداع حقيقٌ بها أن تتصدّر مَعَارِض الفن الرفيع في براويزَ من نُور ؛ ليستمتع بها كل الناس ويرفعوا من ذائقتهم فناً وفكراً .
لقد باتتْ الأمانة والذوق فيما يُكتب ضرورتا الحُضور والاستشراف ضميراً ذاتياً ومسؤوليةً مُجتمعية إزاءَ كلِّ ما يُنشر من موضوعات قد تصل لدرجة التأثير في تشكيل الوَعْي وربّما توجيهِهِ بينَ النّاس ؛ فهلا تنبّهنا لذلك ؟!

* آخر خَطْرَة :
يقول غوستاف لوبون : “أنتَ الآن أكثر أهميةً مما كنتَ عليه ، وأقلّ أهميّةً مما ستكونُ عليه” !

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com