مفهوم العيد عند الكثيرين قاصر على مظاهر الاحتفال، من ارتداء الملابس الجديدة، وتوزيع الحلوى والمخبوزات، وشراء لعب الأطفال واصطحابهم إلى الملاهي والمتنزهات، وزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء.
نعم، إنها فرحة لا غبار عليها ما دامت في إطار الفرح المباح بعيد من الأعياد الشرعية التي أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الصحيح عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: “مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ”؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ”.
نعم، الفرح المباح جائز ما دام عيد الفطر المبارك أحد أعياد المسلمين الشرعية، وليس من الأعياد المبتدعة – وما أكثرها – تلك الأعياد التي لا تنتمي إلى ملتنا ولا تمت لأمتنا بصلة، وتثبت تبعيتنا العمياء للغرب ودخولنا معه جحر الضب الخرب!
فحق لكل مسلم ومسلمة أن يفرح بهذا العيد فرحاً مباحاً، لا حرمة فيه، وليس على نحو ما يحدث اليوم مما ينافي هذا الفرح المباح مثل دخول الحفلات الموسيقية المختلطة التي يمتزج فيها الحابل بالنابل، والتي يسعى شياطين الإنس للترويج لها منذ العشر الأواخر، بل منذ انتصاف الشهر، فتقرأ إعلاناتها المعلقة على الشوارع بخط عريض: الحفل الساهر… أول/ثاني/ثالث/رابع أيام العيد… مع الفنان الفلاني… نادي (…)… فئة التذكرة….
وهذا النوع من الفرحة قد تكون فيه دلالتان: الدلالة الأولى: الانتكاس بعد الاستقامة في رمضان لمن كان مداوماً على الطاعة فيه، ولكنه ختم شهره بمثل هذه المعاصي، والدلالة الثانية عدم قبول العمل، إذ أن الله جلَّ وعلا لو تقبل من الصائم صيامه وقيامه وعبادته وقرباته في رمضان لوفقه ﻹرداف الطاعة بالطاعة فيما بعد رمضان؛ إذ أن ذلك يعد علامة من علامات قبول العمل.
إن الفرحة الحقيقية والعيد الحقيقي يكمنان في تحقيق التقوى التي تعتبر الغاية الكبرى من فرض الصيام؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 153]، تلك التقوى التي ينعم صاحبها بالحياة الطيبة والأمن من الخوف والحزن يوم القيامة؛ فيفوز بالفلاح في الدنيا والآخرة. ورحم الله أحد السلف الذي قال: (ليس العيد لمن لبس الجديد ولكن العيد لمن اتقى وخاف الوعيد).
وتكمن الفرحة الثانية في تقبل الصيام والقيام والجزاء الأوفى عند لقاء الله جل وعلا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ) متفق عليه.
أما الفرحة العظمى التي تنتظر المسلم الذي صام وقام رمضان إيماناً واحتساباً فهي المنحة المثلى والجائزة الكبرى والفوز العظيم بالعتق من النيران، قال تعالى: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185]، ثم من بعد العتق من النار الفوز بالجنة وتحصيل الدرجات العلى فيها، حينما يضاف الصيام إلى بقية الأعمال فيربيها ويزيدها ويضاعف حسناتها؛ ﻷنه العمل الوحيد الذي أضافه الله عز وجل لنفسه، والعمل الوحيد الذي لا تداخله شبهة الرياء؛ لذا كان للصيام خصوصيته وتشريفه، فهو لا يدخل المقاصة، فلا يستطبع أصحاب المظالم أن يأخذوا منه شيئاً، ولا يتقيد بثواب العشر درجات إلى السبعمائة ضعف كما هي بقية الأعمال، بل قد يفوقها جميعاً في الأجر؛ ﻷنه متعلق بعطاء الكريم المنان الغفار الذي خص نفسه بالصوم؛ فيكون العطاء بقدر المعطي سبحانه. وفي الحديث: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ: الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا الصَّوْمَ. فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) متفق عليه.
والخلاصة ينبغي لنا أن نستحضر هذه المعاني عندما نستقبل عيد الفطر المبارك حتى تكون فرحتنا فرحة حقيقية، وحتى نؤجر على هذه الفرحة، أما أن تكون هذه الفرحة مجرد عادة كغيرها من العادات، خالية من المعاني وخاوية من الروح؛ فهذا لن يحصِّل لنا المقصود ولن يحقق لنا المبتغى، ولن يحعلنا ننفذ إلى الجوهر والعمق.