الجهل الناقص والمركب
أحمد صالح حلبي
لذلك نرى أن هناك جهلا بسيطا وآخر مركب فالجهل البسيط هو أن تعلم أنك لا تعلم، أما الجهل المركب هو ألا تعلم أنك لا تعلم، إن كنت لا تعلم فتلك مصيبة وإن كنت تعلم فالمصيبة أعظم.
والحقيقة أن الجاهل لم يعد ذلك الإنسان الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب ، ولا هو بذاك المفتقر للمعلومة الصحيحة ، فقد برز بمجتمعنا الآن الجاهل الغني الذي غدا في عصرنا الحاضر نموذجا للاحترام ، وأصبح يتقدم الصفوف الأولى ، والأجدر بتولي القيادة في بعض مؤسسات المجتمع المدني ، كما غدا هو الأجدر بقيادة المثقفين ، ليس بماله فحسب بل بقدرته على التلون وخداع الكثيرين .
وأعترف أنني لم أتفهم الواقع الجديد بشكل جيد ، خاصة بعد أن دخلت إلى قاموسنا العامي لا اللغوي مصطلحات حديثة ، أحدثت ترجمات غريبة وعجيبة للكثير من الشخصيات والمواقف ، فتارة نجد من يسير بلغة الغرور والكبرياء محملا بشهادة علمية مزورة اشتراها كما نشتري دمية يلعب بها أطفالنا ، وتارة نجد من يتحدث بلغة الحرص على المصلحة العامة ، والسعي للعمل الجاد بصدق وأمانة وهو من أكثر الساعين لكسب المصلحة الخاصة ، وتارة أخرى نجد من يتحدث بلغة الحب والتقدير للآخرين وهو في حقيقة أمره من أكثرهم حقدا وكراهية .
والحقيقة أننا لم نعد نعرف هل الجهل منسوب للأمية ؟ ، أم أنه مرض عضال كمرض السل ؟
إننا أمام مشكلة دراستها تحتاج الى منهج حديث لأن مسالكها مليئة بالخانات المجهولة ، ورؤية الصواب فيها بسيطة لدرجة لا يمكن تصديقها .
وان اتفقنا بأن الفقر ليس عيبا ، والأوراق المالية مقبولة في السوق للتداول في عمليات البيع والشراء ، فلابد أن نتفق على أن المال لا يقاس بما يملكه المرء ، بل بقيمة ما يملكه ذلك الإنسان من احترام لدى الآخرين .
وأعود للقول بأن الجهل الحديث أقوى عوائق المعرفة والحضارة والتقدم في الكثير من المجتمعات ، لأنه يندمج مع الجهل الواقعي المرتبط بالأمية ، ففي هذه الحالة لا يكون المرء جاهلا فقط ، وإنما رافضا للحقيقة واضعا أمامها الكثير من الحواجز التي تمنعه من المراجعة وتقنعه بسلامة ما هو مقتنع به ، اذ يريد ان يبقى على جهله ، ويصر على التمسك برأيه والتعصب له بدون وجه حق ، وبهذا يكون الجاهل وليس الجهل من اكبر المصائب التي تصيب المجتمع ، وأشدها تبديدا للمجالات العلمية وللطاقة الإنسانية ، وأكثرها ضررا . [/JUSTIFY]