أختار المرأة المحجبة؛ لأنها امرأة صالحة، والمرأة الصالحة خير متاع الدنيا، تحفظ عرضي ومالي، عكس المرأة المتبرجة التي لا آمنها على عرضي حين تخرج متبرجة متبذلة فتفتن الرجال، ولا على مالي حين تنفقه على هواها، دون مبالاة لظرفي المادي؛ وهذا مصداق قول النبي عليه الصلاة والسلام: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم برقم (88).
أختار المرأة المحجبة؛ لأن المتبرجات ملعونات، مطرودات من رحمة الله تعالى، وشهد لهن النبي صلى الله عليه وسلم بالنار – عياذاً بالله -؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار لم أرهما! قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم برقم (2128)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات) [السلسلة الصحيحة ” 6 / 411 ].
وتأمل في بلاغة النبي عليه الصلاة والسلام حين قال كاسيات عاريات، فهي كاسية ولكنها في الحقيقة تلبس من الثياب الضيِّق الملتصق بجسدها فيجعلها عارية، وهي كاسية لأنها تظن ذلك، ولكنها في الحقيقة عارية أمام ناظر الناس، ولا سيما الرجال منهم الذين يُفتنون بها، وقد تكون سبباً في وقوعهم في الفاحشة عياذاً بالله.
أختار المرأة المحجبة؛ لأن التبرج يكلفني في الدنيا والآخرة ما لا أطيق، فيكلفني في الدنيا حين تقلِّد المتبرجة الموضات والتقليعات ما ظهر منها وما بطن، فإذا استجدت موضة أو تقليعة، أو كانت هناك مناسبة للأهل والمعارف سارعت بشراء ما يعجبها: فستان بلون الحذاء، وحذاء بلون الساعة، وساعة بلون الخاتم، وهلمَّ جراً؛ ولا تلبس في المناسبة الحالية ما لبسته في المناسبة الماضية، دون مراعاة لدخلي المحدود وظروف الحياة الضاغطة، فقط كل ما يهمها أن تظهر أمام الناس بمظهر يخلب الألباب ويأسر القلوب، وأن تُحاط بعبارات الإعجاب والانبهار والثناء! ولا يهمها إن استدنتُ، أو أنفقتُ ما بين يدي وما خلفي!
وفي الآخرة تكلفني كثيراً حين أُحَاسب على تفريطي في أمرها بالحجاب؛ لأنني سأكون مسؤولاً عنها أمام الله تعالى؛ لقول الله جل وعلا: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) متفق عليه.
أختار المرأة المحجبة؛ لأنها تبذل قصارى جهدها في التزيُّن والتجمل والتبعل لي، حين أغلقت باب التزين للأجانب، وقصرت إبداء زينتها على زوجها ومحارمها، فإذا خرجت من بيتها خرجت محتشمة، تلبس من الثياب الواسع الفضفاض الذي لا يصف مفاتنها، وليس خفيفاً شفافاً أو زينة في نفسه، لا تتكسر في مشيتها، ولا تكثر الالتفات يمنة ويسرة، ولا تخضع بالقول فتحرك شهوات الرجال.
بينما المرأة المتبرجة تفرغ وسعها في التزين للأجانب، فتتزين وتتطيب عند الخروج من المنزل، وتتكسر في مشيتها، وتخضع بالقول، فتغير نبرة صوتها مخالفة لأمر الله وعلا الذي قال: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا) [الأحزاب: 32]، وفي المقابل تفرِّط في زينتها عند وجودها في البيت، فأراها على أسوأ حال، منكوشة الشعر، متسخة الثياب، نتنة الرائحة؛ فإذا خرجت من بيتها لبست أجمل ما عندها، وتعطرت بأطيب العطور، وصففت شعرها، ووضعت من المساحيق وأدوات الزينة ما الله به عليم! فإذا عبتُ عليها ذلك سلطت عليّ لسانها ورمتني بأقذع العبارات، وفي ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فمن السعادة: المرأة الصالحة؛ تراها فتعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك، ومن الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك) رواه الحاكم.
أختار المرأة المحجبة؛ لأنها ذات دين، ولا يهمني أنَّ أكثر الناس اختاروا المرأة لجمالها أو لمالها أو لحسبها، مخالفين هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر بذات الدين، وعلَّق اختيارها بالفلاح والفوز، واختيار غيرها بالخسران والغرم، فقال: (تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك) رواه أبو داود والنسائي.
أختار المرأة المحجبة؛ لأن الحجاب أمر رباني واجب، أمر به الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم ليأمر نساءه وسائر نساء المؤمنين بالحجاب لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب: 59].
والخطاب هنا موجه للمؤمنين، فمن كان مؤمناً حقاً، ومن كانت مؤمنة بحق، سارع كلٌّ منهما لتنفيذ أمر الله جل وعلا؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51]، وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36]..
أما غير المؤمنين فهم الذين يعصون هذه الأوامر، ويكثرون الجدل والنقاش حولها، ولا يستجيبون لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ اتباعاً للهوى وطاعة للشيطان، وخوفاً من الناس أو إرضاء لهم، قال تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً).