فلتتهيأ ملاعبنا للنساء
د. علي عثمان مليباري
فلو نظرنا إلى هذا الحدث بعين متجردة، لاكتشفنا أننا لسنا مؤهلين إطلاقًا للخروج بما لدينا من محيط بيئتنا المحلية إلى الحيز العالمي العريض..
أقول هذا ليس جلدًا للذات، أو رغبة في الانتقاص من ذواتنا، ولكن قراءة بصدق لما عايشته ولمسته وتابعته عن قرب؛ فانشغال مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة تويتر منذ اللحظات الأولى لنقل المباراة وحتى الآن، وتركيز الجمهور العريض في هذه المنافذ التقنية على ما شاهده من وجود النساء مع الرجال في ملعب كرة القدم بدلًا من الحديث عن المباراة نفسها وما حملته من إثارة ومتعة، يكشف لنا جوهر الأزمة التي نعيشها بصورة كبيرة.
وأستطيع التأكيد والقول بكل صدق، بوصفي واحدًا ممن عايشوا هذا الحدث من داخل الملعب، أن وجود النساء والرجال على مدرجات الملعب وعدم تسجيل لو حالة واحدة من حالات الخروج عن الذوق أو التحرش أو حتى المضايقات العابرة، كان أمرًا مثيرًا وباعثًا على طرح الأسئلة المحيرة أكثر منه إثارة للإعجاب، وباعثًا على الإشادة، فما الذي جعل هذا الجمهور السعودي في كامل وعيه بالأخلاق، وفي أتم الاستعداد للإذعان، برغم أن عدد غير قليل من الفتيات السعوديات في الملعب كن في كامل الزينة، في مشهد لا يختلف عن زينتهن وهن في الأحياء اللندنية بما فيها من مطاعم ومقاهي وأماكن تجمع، ولكن كل ذلك لم يدفع بالحضور إلى الخروج عن محيط (الالتزام) بكل صرامة وتقييد وانضباط.
هل هبطت عليهم هذه النوازع الجميلة فجأة فألبستهم ثياب الحشمة والذوق الرفيع، في الوقت الذي تتعرض فيه فتاة في كامل زيها المحتشم، وبغطاء يكللها بالسواد من أعلى هامتها إلى أخمص رجليها، ورغم هذا لا تسلم من شرور المغازلة، وبوائق التعرض البغيض!
أستطيع وبكل الصدق القول إن الجو (اللندني) بكل صرامة قوانينه، وسطوة رجال أمنه وشرطته ألزم الجميع حدود (الأدب) برغم توافر كل بواعث الخروج عليه، فالنظام الصارم المتَبع في بريطانيا، لا يتردد في إيقاع العقوبة بكل حزم وصرامة على من يقترف أي جريرة فيما يتصل بمضايقة النساء، أو العبث بهن، أو التحرش بهن، ولهذا تجد الجميع في حذر من الوقوع في مثل هذا المسلك.
إن التجربة (اللندنية) كشفت لنا بوضوح وجلاء أن مسألة حضور المرأة لمباريات كرة القدم أمر جائز وممكن ومحتمل، ينقصه أن يتحلى الاتحاد السعودي لكرة القدم بالشجاعة ويمتلك زمام المبادرة بطرح هذا الموضوع، آخذًا بالضرورة في حسبانه المتغيرات الضرورية في الوطن، بحيث تسن قوانين، وتضبط تشريعات تعمل على التدرج في تنزيل هذا الأمر إلى أرض الواقع بكل سلاسة ويسر وهدوء، بحيث يكون متاحًا في البدء للعائلات التي ترغب في حضور المباريات، في مكان مخصص لها، وبطرق تنظيمية تكفل لها المرور الآمن دون مضايقات، على أن يكون ذلك الحضور ملتزمًا أشد الالتزام بالعادات والتقاليد السعودية المستمدة من التزامنا الكبير بالشريعة الإسلامية منهاج حياة لا محيد عنه، ولا نكوص.[/JUSTIFY]