في البداية اسمح لي عزيزي القارئ أن نقر بأن الفساد موجود حولنا، وإن كان بنسب متفاوتة، ولكن هل سألنا أنفسنا عن المتسبب في تفشي ذلك الفساد إن قل أو كثر؟!
فلو بحثنا حولنا لوجدنا أننا نحن المجتمع بدءًا من البيت المؤسسة الأولى والراعي الأهم في تحديد نشأة الفرد وتربيته، حيث إننا بتفكك الأسر وعدم استقرارها العاطفي وكثرة المنازعات والطلاق، تسببنا في إنتاج ذلك الفرد غير المرغوب فيه، ولتفكك الأسر دواعٍ وأسباب يحتاج الخوض فيها إلى العديد من المجلدات، وإن كان للتوسع في وسائل التقنية والاتصالات دورها الأهم في ذلك التفكك، لانشغال كل فرد من الأسرة في جهاز هاتفه أو حاسوبه، وأكاد أجزم ألا يخلو بيت في هذا الزمان من الإنترنت، وقد يتسبب ذلك في تفكك غير مقصود إذ ندر أن تجتمع الأسرة في حوارات ونقاشات مباشرة، ولا أبالغ إن قلت بمحدودية تواجدهم في غرفة جلوس واحدة، وهنا بيت القصيد فهل فكّر الواحد منّا أن يتفقد جهاز هاتف ابنته أو ابنه للتعرف على ميوله وما يتعاطاه من معلومات قد يمثل بعضها غزوًا فكريًا يفسد ما تربينا عليه في زماننا الماضي العريق بتراثه المحافظ على المبادئ الإسلامية، ولا ألوم هذا الجيل المعاصر وسهولة الوصول إلى المعلومة بجميع فئاتها الحسنة وغيرها، في زمن رخصت فيه تجارة الشيطان.
وتمتلك المدرسة أيضًا دورًا هامًا في تنشئة الأجيال وتحديد سلوكياتهم التربوية والنفسية، فهم شباب اليوم رجال الغد الذين تبني الدولة -رعاها الله- عليهم الآمال والطموحات، لا سيما وإننا مقبلون على عام دراسي جديد، ويجب علينا كآباء وأمهات ورجال فكر وعلم أن نتضامن جميعًا في تهيئة الأجواء المناسبة لرعاية عام دراسي نتأمل فيه صناعة الجيل الذي نفتخر به محليًا وعالميًا، ولو تعمقنا داخل ذلك المسيء لنفسه قبل مجتمعه لوجدناه حتمًا نتاج للمؤسستين (البيت والمدرسة)، وهنا يأتي دورنا نحن كمجتمع مسلم محافظ فهل نجتهد في العمل معًا؟! بل ونتضامن معًا على مكافحة ذلك الإنسان غير السوي أكان مواطنًا أو مقيمًا أو زائرًا، أم سننجرف نحو عاطفتنا ونرتكز إلى اتكالية خاطئة نجني نحن عاقبتها بعبارات اعتدنا سماعها : (هذا ليس من اختصاصي، دع الخلق للخالق، من راقب الناس مات همًا، أنا مشغول، وغيرها من عبارات التكاسل)؟
وهنا يجب أن نقول لهؤلاء وهؤلاء: قفوا ! فنحن شركاء في هذا المجتمع ومن واجب انتمائنا لهذا الوطن الغالي أن نحافظ عليه ونرعاه من أي شائبة تعكر صفوه، خاصة ونحن مقبلون على موسم الحج المبارك، وعلينا جميعًا اليقظة ثم اليقظة، ولا يفوتني التفاخر بكلمة صاحب السمو الملكي نائب خادم الحرمين الشريفين وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا محمد بن نايف -حفظه الله- إذ يقول محذرًا frown رمز تعبيري لن نسمح بإخراج الحج عن مساره)، وصدق من قال: (وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه)، فلو أننا تهاوننا مع ذلك المفسد بحجة أن هناك جهات وهيئات معنية بمكافحة الفساد، نكون بذلك قد ساعدناه على التمادي في فساده، بل وتفشيه في مجتمعنا، وهنا لا أنكر دور تلك الجهات والهيئات أعانها الله، ولكن يبقى للمواطن والمقيم والزائر في هذا الوطن المعطاء الدور الرئيسي بدءًا بالتبليغ الموثق بالقرائن ثم بالنصح، بل والبدء بمحاسبة أنفسنا ومن نعول (فإذا صلح البيت صلح بإذن الله سبحانه المجتمع كله)، ولا بد لنا الجزم بأن المواطن والمقيم هما رجلا الأمن الأول، ولنا في القصص النبوي لأصحاب السفينة المزيد من العبر فلو أنهم تركوا أولئك يعبثون بالسفينة؛ لغرقوا جميعًا وهلكوا..
أسأل الله تعالى أن يحفظ علينا أمننا ووطننا حكومة وشعبًا، في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين -أمده الله- بالصحة وسدد على دروب الخير خطاه..