المقالات

الشوفة !

الشوفة !
سعود الصاعدي

[JUSTIFY]قبل النظرة الشرعية حذّره أبوه من الإقدام إذا كانت نظرته هذه ستعود كالمعتاد بخيبة جديدة ، و قال له بعبارة واضحة و حازمة :” انتبه لا تفشّلنا مع الناس ” . هذه العبارة تعني أن لا خيار آخر سوى القبول و إتمام الأمر حين يتعلّق بأسرتهما . أمه بذات الحزم انتهرته و ذكّرته بأن عليه أن يختار بين سلمى و سلوى ، فهن توأم ، و قمران في سماء واحدة ، لا فرق بين الأختين ، و لأنه لا يثق بتقمير النساء ، على حد قوله ، ( هذا المصطلح سكّه لنفسه من تجارب التقمير ذاتها ) طلب منها إمهاله ليلة واحدة ليقرّر خياره الوحيد . يذكر أن أمّه قمّرت فتاةً من قبل فوجدها دون ما يأمل ، حتى إنها وصفته بالمتنطّع في ذوقه ، و هو بالفعل كذلك ، فلو كان أبوه على مذهبه في الاختيار لبقي مركونا في صلبه خارج شروطه التعجيزية . قالت له أمه هذا و عقّبت ساخرة ، “لو كان أبوك مثلك لكنت اليوم امرأة عمّك “. ضحك بقهقهة عالية مع غمزة أعقبها بطمأنتها أنه سيحسم أمره هذه الليلة . حين خلا بنفسه تقمّص ابن جني ليبدأ في استشارة اللغة . قال في نفسه : “للغة رأيها و فتنتها ” . بدت له سلمى أكثر ماء ، ذات جاذبية و إن كانت تقلّ عن سلوى في ثقتها بنفسها . سلوى تبدو مغرورة لكنها فارغة من العاطفة . قال : لا أثق بهذه الواو ، فهي جوفاء من الداخل ، بعكس الميم التي تملأ الفم و تطبق الشفتين . الميم هي النبع العميق في أعماق سلمى . ليس من قبيل المصادفة أن تتوسّطها لتشكل خصرها و عذوبة صوتها . صحيح أن شعر سلوى أكثر انسيابا بفعل هذه الواو المزهوّة بنفسها ، لكن ذلك لا يعني رداءة شعر سلمى الناعم رغم قصره . بالتأكيد تتفوق سلوى في قامتها قليلا ، غير أن سلمى تبدو ممتلئة الجسد في غير بدانة . الميم هي صانعة الفارق ، هي فتنتها التي تحتفظ بسرّ النبع . سلوى رغم جمالها الظاهر تفتقد الإحساس العميق ، تفتقد الصوت الشجي الملموم بين شفتي سلمى . الواو هي مرد هذا القصور في صوت سلوى ، إذ يبدو حادّا ، صقيلا ، مفرّغًا من الشجن . لا فرق فيما سوى ذلك عدا أن الألف المقصورة لدى سلمى متصلة بالجسد غير ناتئة عنه ، فيما هي عند سلوى تأتي خارج الجسد . و هذا ، أيضا ، محسوب لسلمى المصبوبة في اعتدال و تناسب .
كان ما يفعله ، في حقيقة الأمر ، موازنة بين الميم و الواو ، عرف من خلالها أن سر ميله لسلمى يكمن في عشقه القديم للميم منذ طفولته، إذ كان يرسمها باهتمام بالغ و يلفظها بشعور حميم يتحسّس رخاوتها كحلوى تذوب بين شفتيه . حين فرغ أقبل على أمه و هو يترنّم بصوت مسموع : ” آه يا سلمى / و السحابة تعدّت من هنا / حاملة بالما / و استقلّت بماها عندنا ” .
أمه التفتت لأبيه هامسة : ” الله يعين سلمى “، فأجابها بامتعاض :” هل تعنين أن سلوى نجت من ابنك المعتوه هذا ؟ ” .[/JUSTIFY]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى