تتناول وسائل الإعلام والتواصل منذ أمد بعيد، العمق في تشخيص روح التعليم وجسده والأسباب المؤدية لإخفاقه من نخبة الكتاب، والأكاديميين، والتربويين والمثقفين، وسأركز بمقالي على الوسيلة لتوصيل المعلومة التي من أهم سماتها، إنها تعليم تلقيني ترتكز على حشو الذهن بمادة إخبارية أو معلوماتية قائمة بذاتها بلا زمان ولا مكان وبلا خلفية اجتماعية.
لذلك تعجز عن تخريج أجيال يتمتعون بصفات التفكير الانتقادى والإبداعي والتحليلي؛ لأن التلقين يرتبط بتكريس الأمية الثقافية وإلغاء العقل والتفكير، الأمر الذي يحتم علينا أن نعيد النظر في وضعه وتركيز الجهود لمواجهة ومقابلة هذا الواقع المؤلم ولن يأتي ذلك إلا بتزويد النشء بمهارات التفكير العلمي الموضوعي الناقد لاستنطاق النصوص التي من شأنها تمكينه من رفض ومج التأثير السلبي. من أجل منع إشكالية السقوط في براثن الجهل المعرفي، ولا بد لنا من الشفافية والمواجهة الصريحة ونثر الملح على الجرح ووضع النقاط على الحروف؛ ففي صروح جامعاتنا وأروقتها، لم يرافق الفيض الإخباري والمعلوماتي الذي ترصده المناهج أي تغيير, أو تطوير أو تحديث للعقل. فلابد أن ينطلق قطار التغيير من مسار الجامعات والمضي قدمًا لإصلاح التعليم والارتقاء بنوعيته من خلال إعداد وتدريب أعضاء التدريس وأن يصبحوا مؤهلين تأهيلًا يمكنهم من أداء رسالتهم باقتدار، وإلحاقهم بدورات تدريبية لاطلاعهم على كل جديد في تخصصاتهم؛ ليكون لديهم القدرة والإتقان على الاتصال والتواصل والإيمان بقدرات وشخصية الطالب واحترام عقليته باستخدام ورش العمل والعصف الذهني.
فعلينا أن نتخذ القرارات الجريئة والخروج من هذه الأزمة الخانقة وتصحيح مسار المنظومة المعرفية, وتنقيح وفلترة موادها وإعطائها ثوبًا معاصرًا علميًا، والخروج من دوائر الحفظ, والتلقين, والترديد إلى مناخات أوسع بالدوائر المعرفية المنفتحة، والخرائط الفكرية والتوهج بالأفكار المضيئة والمفاهيم الدقيقة، يتنامى فيها العمق, والإدراك, والتحليل, والاستنتاج, وأن تمتزج مناهجنا بالانفتاح والتسامح الفكري والاجتماعي بعيدًا عن الانغلاق والجمود, والتطرف الشديد.
(ومضة)
أهم عوامل التخلف العلمي في الجامعات (المحاضرة)؛ فهي انتقال المعلومة من مفكرة المحاضر إلى مذكرات الحضور دون المرور على أدمغتهم.