المقالات

امتحان المال: الرسوب الكبير..!!

كثير من الناس – إلا من رحم الله تعالى – ينجح في امتحانات عدة، لكنه في امتحان المال يرسب رسوباً قد يثير الدهشة والاستغراب!

ولن تستطيع أن تعرف الشخص على حقيقته حتى تتعامل معه بالمعاملات المالية، ولا أدلَّ على ذلك من الأثر الوارد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه (حين جاء شاهد يشهد عنده فقال له عمر: ائتِ بمن يعرِّفك، فجاء برجل، فقال له: هل تزكِّيه؟ هل عرفته؟ قال: نعم، فقال عمر: وكيف عرفته؟ هل جاورته المجاورة التي تعرف بها مدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال عمر: هل عاملته بالدينار والدرهم اللذين تعرف بهما أمانة الرجال؟ قال: لا، فقال: هل سافرت معه السفر الذي يكشف عن أخلاق الرجال؟ قال: لا، فقال عمر بن الخطَّاب: فلعلَّك رأيته في المسجد راكعاً ساجداً، فجئت تزكِّيه؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال له عمر بن الخطاب: اذهب فأنت لا تعرفه، ويا رجل ائتني برجل يعرفك فهذا لا يعرفك!) أخرجه الخطيب البغدادي في الكفاية، وقال ابن كثير: رواه البغوي بإسناد حسن.

صحيح أن الإنسان جُبل بطبعه على حب المال، فقد قال الله تعالى: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر: 20]، وقال تعالى: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ {[العاديات: 8] [الخير هنا بمعنى المال]، لكن هذه الأمة اختصت بفتنة المال، كما اختصت غيرها من الأمم بفتن أخرى، ففي الحديث: (لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال) رواه الترمذي (2/54).

وفي مضمار المال تكثر تجاربنا مع أناس تعاملنا معهم، سواء بالشراء أو البيع أو الاستدانة أو الإقراض،… الخ، فعرفنا منهم وجوهاً كانت خافية تحت أقنعة مزيفة!

من الناس من يلحُّ عليك أن تقرضه، ويظهر لك عوزه وفقره وحاجته، فإذا أقرضته ماطل أو غاب عنك أو أغلق جواله أو لم يرد على مكالماتك، وربما رد فكذب عليك بأنه مسافر وهو حاضر!

ومن الناس من تُودِع لديه مالاً أمانة أو ليسلمه إلى شخص آخر، فتدفعه نفسه الضعيفة لكي يستولي عليه، وربما لم يردّه إليك إلا إذا لجأت إلى القانون أو استعنت بمن يخشاه!

ومنهم من يظهر لك الود، فإذا طلبت منه مالاً ظهر لك بخله وشحه.

ومنهم من لا تعرفه على حقيقته إلا إذا سافرت معه، فإن كان كريماً ظهر كرمه، وإن كان بخيلاً لم يستطع إخفاء بخله؛ لذلك كان السفر مُظْهِراً لمعادن الرجال كما ورد في الأثر السالف ذكره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وكثير من الناس يتشدق بالقيم والمثل، وقد يدلل عليها بالآيات والأحاديث، وقد يكون ممن تظهر عليه سيماء الاستقامة الظاهرة، من اتباع السنة عند الرجال أو الحجاب عند النساء، وقد يكون من المداومين على الصلاة في المسجد – وربما في الصف الأول – فإذا وجد فرصة في مال عام أو خاص استولى عليه، دون أن يطرف له جفن، وتقارير الاستيلاء على المال العام التي ترتفع معدلاتها سنوياً شاهدة على ذلك، وأعداد المسجونين في الشيكات الذين بلغ عددهم في سجن الهدى وحده 1248 سجيناً تحت مادة يبقى لحين السداد (حسبما ورد في صحيفة السوداني الصادرة بتاريخ 26 أغسطس 2015م)؛ مما يؤكد ذلك!

ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتهاون في أمر المال، فيكثر الاستدانة دون داعٍ، ويماطل في السداد، ويأكل أموال الناس بالباطل، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر حرمة أخذ مال المسلم أو غيره دون وجه حق، وأنه لا يجوز أخذ مال أحد دون طيب نفس، فمما ورد عنه عليه الصلاة والسلام: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) متفق عليه، وشدَّد في الأمر حتى قال عليه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ أَمْوُالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ) رواه البخاري (2257)، بل أخبر أنه حتى الشهيد في سبيل الله لا يغفر له الدين، كما جاء في الحديث: ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ) رواه مسلم (1886).

لذلك علينا أن نتقي الله تعالى في أموال الناس، ولا سيما الأموال العامة حتى لا نصاب بالمحق والتلف في الدنيا، ونلقى جل وعلا وهو غاضب علينا يوم القيامة، وفي الحديث: (ولَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ) السلسلة الصحيحة (2609) [السحت: ما خبث وقبح من المكاسب، فلزم عنه العار كالرشوة ونحوها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى