عرفتُه غلاماً يافعاً يدرسُ في مدارس الفلاح المكيّة – قبل سنين – متدثّراً بتراثِ أجداده المكيين خريجي هذه المدرسة العريقة ؛ فهو حفيدُ وجيه مكة السيد أمين عقيل العطاس ( رحمه الله ) أحد المشرفين على مدارس الفلاح وتلاميذها البررة .
كان طالباً متفوقاً متميزاً حافظاً لكتاب اللهِ ؛ لذلك كانت كلية الشريعة بجامعة أم القرى محضنهُ الأول ؛ تلقّتْ همّتَهُ التي لم تقتصر على علومِ وأساتذة الجامعةِ لتُجاوزَهم إلى التأصيل الشرعيّ الحقيقيّ وثنْيِ الرّكبِ في حضرة علماء مكة حُضُوراً وتلقّياً في مجالسِهم العلميّةِ المعروفة .
واصلَ دراستَه العُليا بعد تخرّجهِ بامتيازٍ الأوّل على دُفعتِه ، وحقّق درجة الماجستير قبل أكثر من عامٍ بامتياز أيضاً وجَدارةٍ لم تكنْ مستغربَة لدى أساتذتِهِ الأكاديميّينَ وتلاميذِهِ بجامعة الملك عبد العزيز التي يُحَاضِرُ فيها مُعيداً بعْدَ أن ضاقتْ جامعتُه أم القرى عن احتضانِهِ وهو البارُ بها تفوّقاً وتميّزاً بين أقرانه !
لقد كنتُ أنظرُ مُستقبَلَ ذلكَ الشابِ بتفاؤلٍ وأمَلٍ كبيرٍ ، وأقرأُ باهتمامٍ ما كان يكتبُهُ من أبحاثٍ فقهيةٍ فترةَ طلبِهِ الجامعيّ ، وتلفِتُني فيها تلك الرّصانة العلمية والفصاحة اللغوية كتابةً وتحدّثاً ؛ حيث أحضرُ بين الحين والآخر خُطبَه الجُمَعيّة في مساجد مكةَ التي ازدانتْ منابرُها به مبكراً ولمّا يُجاوِزُ منتصف عقدِهِ الثالثِ .
إنه الشاب الفقيه المكي السيد أحمد بن خالد بن أمين العطاس عضو مجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا ، ورئيس اللجنة الشرعية بها ، صاحب كتيّب “رحلة الحج .. دليلٌ مبسّطٌ يبيّنُ أهم أحكام المناسكِ بأسلوب عصري مُيسّر” ، الذي كانت طبعته الأولى بالعام الماضي 1435هـ ؛ طبعَتْها الهيئةُ التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف باللغتين العربية والإنجليزية ، وطُبعَ ثانياً هذا العام 1436هـ عبر مؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا .
هذا الكتيّب الذي بلغتْ أوراقُهُ 33 صفحة حوَى بين دفتيْهِ رحلةَ الحج من البداية إلى النهاية بإيجازٍ سهْلٍ مُمْتنِعٍ وسعة فقهيّةٍ تنهلُ من مذاهب أهلِ السنةِ الأربعة دون تعصّبٍ أو تحجيرٍ على رأيٍ دون آخر ، مع التعرّض لأحكامِ المسائل العصرية بالحج ، والإشادة بمشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من الهديِ والأضاحي .
كما إن همّة المؤلف لم تتوقّف عند مجرّد تسطير الورق بمعلوماتٍ تهمّ الحاج وترفعُ وعْيَهُ بالمناسك ، بل تجاوزتْهَا إلى طَرْق كلِّ الأبوابِ والوَسائلِ لنشر هذا الوعي بكل أشكاله التقليدية والعصرية الحديثة ؛ فقدّم هذا الكتيَبَ الثرِيّ في ندْوةٍ عامة بعنوان “فقه المناسك” بقاعة المحاضرات الكبرى في مؤسسة جنوب آسيا لمدة ساعةٍ كاملةٍ قبل أسابيعَ ، وأعادَ تقديمَها أيضاً بشكلٍ عصرِيٍّ عبرَ حلقاتٍ في مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ على “اليوتيوب” .
إن لمكةَ أن تفخرَ بفقهائِها الشباب الذين يمثّلون الواجِهَةَ المُشْرِقة والمُشرِّفة للمملكة العربية السعودية أمامَ ضيوفِ الرحمن من شتى أنحاء العالم ؛ ليشهَدُوا منافعَ لهم من مَعينِ الإسلامِ الصافي الوَسَطي السّمح الذي يبعثُ النورَ والحيَاةَ للعالمين .
* مِن آخِرِ السّطْر :
يقولُ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ( عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة ) من محاضرته القيّمة “إبداع العلماء المكيين في فقه المناسك” : “المناسِكُ علمٌ مكيّ ، وقد قال الإمام سفيان بن عيينة : “خذوا المناسكَ عن المكيين” ؛ ذلك أنهم الشهود عليها ومن يعيشونَ واقعَها وأماكنها ، وقد كانتْ مكةُ مركزَ علمٍ وإشعاعٍ على مدى التاريخ ، فهي مَحْضُ العلماء على اختلافِ مذاهِبِهم ، وفقهاؤها هم المِرْآة العاكسةُ للمجتمع” .