بالرغم من كل الخطوات الاحترازية التي تنتهجها المملكة العربية السعودية ممثلة في كل الجهات المعنية؛ فقد شاءت قدرة الله عز وجل في وقوع حادثة تدافع الحجيج بأعداد كبيرة في طريقهم لرمي الجمرات وما نتج عنه من إصابات ووفيات صباح يوم الخميس العاشر من ذي الحجة، فالمتوفين نحتسبهم عند الله شهداء بعد أن وقفوا بعرفات ومروا بمزدلفة لالتقاط الحصوات اقتداء بسنة إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد شملتهم المكرمات والإنجازات السعودية منذ وصولهم أرض الوطن، ولن يخفى على الجميع مدى تعجل الكثير من الحجيج وفيهم كبار السن والعجزة من الرجال والنساء إضافة إلى الحرارة التي تشهدها مكة المكرمة عامة ومنطقة المشاعر المقدسة خاصة، وهنا لابد الإشارة إلى ما يفتقده معظم الحجيج من الثقافة والتوعية بأمور الحج وأضرار التزاحم الذي ينتج عنه الكوارث العديدة التي شهدها العالم أجمع، فكم تدافعت الحشود في نوادٍ رياضية ومسارح ومهرجانات وطقوس دينية في دول مجاورة راح ضحيتها أعدادًا مهولة لم يتطرق إليها الإعلام لسبب أو لآخر، بما ينذر بإعلام مأجور يسخر إمكانياته البذيئة لأبواق تدق طبلًا أجوفًا، ولو تطرقت إلى المشاريع المعاصرة التي تتشرف المملكة باستحداثها سنويًا في الحرمين الشريفين والتوسعة المباركة التي تعجز عن وصفها أحبار أقلام العالم أجمع إضافة إلى ما تشهده المشاعر المقدسة (منى وعرفات) من إنجازات لراحة ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام ابتغاء مرضاته سبحانه، فهذا قطار المشاعر الذي يُعد نقلة نوعية خففت من أعباء الجزء الأكبر من الحجيج بعد أن كانوا يستغرقون الساعات الطوال في رحلتهم من عرفات وإليها، إضافة إلى منشأة جسر الجمرات التي ساهمت في منع تكدس الحجاج وتزاحمهم، تلك المنشأة التي أزاحت عن الحجيج همومهم بالتفويج المنظم لرمي الجمرات التي تكدس لها وزارة الحج الجهود المباركة، بعقد العديد من الورش والدورات لتسيير الحجاج في منظومة أزاحت عنا الهموم التي تكررت في الماضي البعيد، وهنا لن يفوتني التنويه إلى أهمية توعية الحجيج والارتقاء بمستوى فكرهم وثقافتهم قبل وصولهم المملكة, إذ لن تكتمل النجاحات إلى بتضافر جهود جميع المشاركين في الحج، وقد شاءت الأقدار أنني كنت قريبًا من الحدث بحكم مهنتي كمطوف ومشرف على حجاج دول ساحل البحر الأحمر، إذ تنقلت بين الجثث التي فاح منها المسك ريحًا طيبًا وزرت أحد مخيمات حجاج السودان القريب من الحدث وقد استخدم مقر مخيمهم كمستشفى ميداني لعلاج المصابين بوجود كثيف للأطباء وأكياس المغذيات، وبمساعدة من بعض الحجاج الذين اجتهدوا في إنعاش الكثير من المرضى الذين بدى عليهم الإرهاق والإعياء من ضربات الشمس..
فالإعلام النزيه هو الذي ينقل الحقيقة في حينها، دون تأويل وتهويل فخادم الحرمين الشريفين “سلمان الخير” متابع لأدق التفاصيل المتعلقة براحة ضيوف الرحمن والمملكة العربية السعودية بعون الله أهل لخدمة الحجيج، وليس أدل على ذلك، المشاريع التطويرية الجبارة والميزانيات المهولة التي تنفقها الدولة بسخاء إرضاءً لله تعالى في سبيل راحة الحجيج ليؤدوا نسكهم بيسر وسهولة حتى يعودوا لبلادهم محملين بأجمل الذكريات عن الوطن المضياف وأهله، ولن يفوتني الإشارة بالفخر والاعتزاز وباعتبار أنني أتشرف بمهنتي كمطوف ومشرف على خدمات حجاج دول ساحل البحر الأحمر، أن أنقل لعزيزي القارئ بهجة حجاج بيت الله الحرام وسرورهم بمشاهدة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- ومن موقع الحدث يُتابع بنفسه الحالة، وأمره للجهات الرقابية العليا بالتحقيق الفوري ومعاقبة المتسببين فيها وبصورة عاجلة، وحرصه -حفظه الله- .
وختامًا أسأل الله تعالى أن يتقبل الأموات شهداء عنده، وأن ينزل عليهم المغفرة، وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسكينة والسلوان.