المقالات

نظرَة إقدار في “قاموس الحج والعُمْرَة” للعطار

 

في إحدى سنوات تدريسي قبل عقديْنِ تقريباً ؛ كان من طلابي المتميّزين خُلُقاً وعِلْماً – ريّان منشي – حفيدَ الأديب والمفكر المكي أحمد بن عبد الغفور عطار ، وفي نهاية العام الدراسي أهداني مجموعةً من مؤلفاتِ جَدّه القيّمة – ولم أكن أعرف إلا وقتها صلتَهُ بذاك الأديب الكبير – وقد استوقفني منها كتابٌ موجز ظريف يحمل عنوان “قاموس الحج والعمرة” في طبعته الثالثة عام 1408هـ ، ولا أعلم له طبعةً جديدة بعد ذلك !
لقد احتلّ الشأنُ المكيّ – في الماضي – مكانَهُ ومكانته في فكر العلماء والمفكّرين والأدباء المكيين بخاصةً ؛ فألفوا في ذلك تأريخاً وفقهاً وفكراً وأدباً ، ولم يدَعُوا في ذلك باباً إلا وكان لهم فيه طَرْقٌ ودُخول واجتهادٌ وشهادةٌ وحضور ، ولما كان الحج فريضةً ذات خصوصية – في الزمان والمكان – متعلقة بالبلد الحرام ؛ كانتْ من أولى اهتمامات الفقهاء المكيين كتابةً ، وكما يقول الإمام سفيان بن عيينة : “خذوا المناسك عن المكيين” .
ومن ذلك ما أُلّف كمعاجم وقواميس مختصّة بالحج مثل : “موسوعة الحج والعمرة” للدكتور قطب مصطفى سانو ، “معجم المناسك على مذهب الإمام مالك” للشيخ إبراهيم شعيب المالكي ، وغيرها من الكتب الحَجيّة التي جمعَ مؤلفوها أحكام ومصطلحات الحج مرتبةً على حروف المعجم ثم بيّنوها تفصيلاً بحسب الحاجة .
أما معجم العطار المعنون “قاموس الحج والعُمرة من حَجّةِ النبيّ وعُمَرِه” عليه وعلى آله الصلاة والسلام ؛ فقد جاء موجزاً مُسْعِفاً للحاج عن مسألتِهِ في الحج كدليلٍ يرافقُهُ يسدّ حاجتَهُ المعرفيّة دون مزيد تفصيل فقهيٍ يخصّ الباحثين .
وقد كانتْ تجربة المؤلف في هذا الكتاب وليدةَ مُؤَلَّفَيْن سابقيْن له في الحج : الأول كتاب ضخم هو “حَجّة النبي صلى الله عليه وسلم” ، والآخر كتاب في مقاس الجيب هو “أحكام الحج والعمرة” ؛ فكان كتابه القاموس الخلاصة التي ابتغاها للحاج المتعجّل في بحثه عن المسألة بإيجاز يغنيه عن الإسهاب .
والعطّار – كما هو معروف – أديب لغوي ومحقق عميق المعرفة بمعاجم وقواميس اللغة ؛ لذلك كان معجمه في مصطلحات الحج سهل البحث ؛ إذ يكفي الباحث تجريد الكلمة من أل التعريف ثم يبحث عنها حسب أول حرفٍ فيها دون الحاجة إلى تجريدها من الحروف الزائدة ولا إرجاعها إلى أصلها ؛ فكلمة ( المبيت ) يجدها في حرف الميم ، وكلمة ( الاستحسان ) يجدها في حرف الألف وهكذا ؛ تيسيراً على الحاج الباحث البسيط .
بدأ المؤلفُ القاموسَ بمقدّمة سرَدَ فيها حديثَ الصحابي الجليل جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – بطُولِهِ في حجّة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ابتدأت صفحات القاموس الذي حوَى أكثر من 270 مصطلحاً ؛ كانت بدايتُها بحرْف الألف وكلمة “الإسلام” وختامها بحرف الياء وكلمة “يوم الوقوف” .
ولم يسرد المؤلفُ المصادرَ والمراجع التي اعتمدَها في قاموسه بل اكتفى بالإشارة إلى اعتمادِه على القرآن الكريم ، وأمهات كتب الحديث الشريف وشروحها ، وكتب الفقه والمناسك على المذاهب الأربعة ، بالإضافة إلى المعجمات اللغوية ومعجمات العلوم والفنون وبخاصة علوم الدين .
والكتاب في الجملة من معاجم الحج المفيدة ومؤلفُهُ قامَةٌ فكريّة كبيرة على مستوى مكة المكرمة والمملكة بل العالم العربي ، وحقيقٌ به وبكتبه الأخرى أن تُجدّد طبعاتُها القديمة النافِدَة ؛ فهذا القاموس مرّ على طبعته الأخيرة أكثر من 28 عاماً ! فهل سيكون لوزارة الحج – بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام – دورٌ في إعادة طباعة كتب الحج لمؤلفيها الكِبار من علماء ومفكري الوطن كمشروع إثرائي لنهضة تراث وثقافة الحج ؟!

* مِن آخِرِ السّطْر :
إن قواميس الحج الفقهية كثيرة ، وكلها تغرّدُ داخل أسوار الفقهاء والمؤرّخين ؛ فهناك من معاني وقيم الحج السامية ما نحتاجُ إلى تأخذ مكانها قبل مصطلحات الفقه وضوابط التاريخ ؛ فالحج مدرسة كبيرة نتعلم فيها : الحب ، والتعاون ، والتعايش ، والتسامح ، والعدل ، والمساواة ، والحرية ، والالتزام … فمتى تتّسع لها قواميسُ الحُجّاج ؟!

[email]Shuaib2002@gmail.com[/email]

 

[CENTER][IMG]https://pbs.twimg.com/media/CQChog0UcAAiesq.jpg[/IMG] [/CENTER]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى