** نعم .. أذوب – في حبك … ولنبدأ الآن , قراءة الحكاية من أولها .. لنعرف قصة هذا العشق …
** عندما كنا أطفالاً صغاراً في قريتنا – أنا ومن هم في مثل عمري – كانت صورة القرية في عمومها لوحة غاية في البساطة , لا أثر فيها لأي منجز حضاري ، سوى مدرسة مبنية من الطوب والخرسانة ، وطرقات ضيقة متعرجة , لم تعرف الإسفلت ، وكهرباء أهلية تتوقف حركة مولدها الوحيد منتصف الليل ، ثم يعاود حركته مغرب اليوم التالي ، ومياه قادمة من البئر بواسطة القِربة الجلدية ، ومصحة متواضعة تصرف الحبوب وبعض الإبر عند اللزوم , ونساء يلدن في البيوت , ودكاكين صغيرة متواضعة للغاية , تعد على أصابع اليد الواحدة ،… وغير ذلك لا شيء ، والى ذلك وداع حار لمن أراد أن ينتقل إلى المدن , أو حتى بين قرية وأخرى بعيدة عنها ، لأن ذلك معناه سفر طويييييل !! .
** اليوم تبدلت الأحوال رأساً على عقب , فأنت في قريتك البسيطة بالأمس ، أصبحت الآن تتمتع بالكهرباء العمومية على مدار الساعة ، وصرت تحمل ” اللاب توب ” إلى المزرعة القريبة منك , عندما تجد أن أمامك ساعة أو أكثر من الفراغ ، لتتجول عبر الانترنت بين شرق الكرة الأرضية وغربها ، تتابع المتغيرات والأحداث ، كما هو الإنسان في السويد أو استراليا مثلا ، أو حتى تشيلي في أمريكا الجنوبية ، وصرت تفتح صنوبر المياه أمام حجرة نومك لتستقبل مياه الشبكة العامة , التي وصلت إلى عدد من القرى ، وصارت النساء ينعمن بخدمات الولادة في مصحات حديثة على أيدي طبيبات متخصصات ، وأصبح في مقدورك أن تتناول أقداحاً من الكابوتشينا في مقهى الانترنت بالقرية ، وبجانبها قطعاً من الهمبورجر ، وصار بإمكانك أن تشرب شاي العصرية مع صديقك في القرية التي تبعد عشرات الكيلو مترات ، ثم تعود بسهولة لتتعشى مع أسرتك فوق صفحة من الإسفلت حتى باب بيتك .
** هذه المعطيات التي توفرت في العاصمة الرياض ، هي موجودة أو عدد منها في القرية التي تسكنها في أعالي جبال السروات مثلاً ، وهي لم تهبط عليك فجأة من السماء ، وإنما جاءت بتوفيق ونعمة الله تعالى أولاً، ثم ببركة وجهد ومجهود الدولة ، هذا الكيان الشامخ ، الذي أقامة وتعب من أجله ، وناضل كثيراً حتى توحدت أطرافه ، وقامت أركانه ، رجل عملاق ، هو بكل المقاييس بطل قومي ، وزعيم عالمي ، وعبقري عظيم ، من أفذاذ قادة القرن العشرين ، هو صقر الجزيرة جلالة الملك الموحد عبد العزيز آل سعود رحمه الله .. ولك أن تتخيل لو أن ذلك الزعيم اقتصر على استعادة ملك آبائه وأجداده الرياض ، أو حتى نجد ، كيف يمكن أن يكون شكل التكتلات , التي كانت ستنشأ في شبه الجزيرة العربية ، في شرقها ، وفي جنوبها ، في غربها ، وفي شمالها ؟.
** لكن الله تعالى ألهم ذلك القائد التاريخي , الذي سبق عصره حقيقة , لأن يكون واسع الرؤية ، وقارئاً شديد القراءة للمستقبل ، ومستشرفاً عبقريا للأفق البعيد ، وصاحب قرار ورؤية إستراتيجية , عندما قام في عزيمة لا تلين ، وفي همة لا تتوقف , وفي جسارة قل مثيلها … في أن يواصل ضم كل أرجاء معظم شبه الجزيرة العربية ، لتكون أول وأعظم دولة وحدوية عربية .. ولتكون بلداً واحداً ، وأمة واحدة ، وصفاٌ واحداً ، يشد بعضه بعضا .. فخيرات شرقه هي لكل أرجائه ، ومعطيات جنوبه لكل أجزاءه ، وأفضال وسطه وشماله وغربه هي لكل بقعة من بقاعه .. وكان من فضل الله تعالى أن بلادنا أرض متنوعة الطبوغرافيا ، ومتعددة العطايا وغزيرة الثقافات .. فقد حدث فيما بين أجزائها حالة فريدة من التكامل والثراء في كل شيء ، واستطاعت وحدة وتوحيد بلادنا أن تصهر هذا التنوع في بوتقة واحدة ، يغترف منها المواطن السعودي ، وجبة وطنية شهية – متعددة الأطباق والمذاقات .
** وعندما [COLOR=crimson]تحلّ ذكرى اليوم الوطني لبلادنا، يتوجب علينا كسعوديين أن نفهم بعمق معنى ومغزى وأبعاد هذه المناسبة ، بمعنى أنها ليست مناسبة احتفالية ذات طقوس معينة ، نتماهى معها في قصائد وطنية وحسب ، وإنما للمناسبة أبعاد أعمق ، فهي تعني أن كل ما هو تحت يدك كمواطن ، أنما هو ثمرة جهاد عظيم قاده المؤسس ورجاله ، وشاد أركانه ، وأرسى دعائمه بكفاح طويل وتضحيات عظيمة , دامت عدة سنوات[/COLOR] .. والمناسبة تعني أيضا انك أنت وأنا – مطالبون بأن نكون أمناء على هذه الوحدة ، وان نكون أوفياء لجهاد المؤسس .. وأن نظل – جيلا بعد جيل – نبذل الغالي والرخيص لخدمة هذا الكيان الشامخ , وان نكون على الدوام حراسا وعيونا يقظة , نحمي هذا المنجز البهي – من عبث المتربصين ومن حسد الحاسدين ، وأن نضع هذا الوطن العزيز في حدقات عيوننا ، ووسط مهجنا على الدوام . بل وان نذوب في حبه قولا وفعلا , فهو يستحق هذا وأكثر .
بخيت طالع الزهراني