المقالات

“واتس-أب”

منطق الطير: “نحن نستورد أدوات المدنية لكن لا نتعامل معها بشكل حضاري.” مالك بن نبي.

ثمة نكتة مرسلة، ظريفة، تستنكر اتصال عدد من المنتجات الاستهلاكية بلفظ (أب)؛ لما تحمله تلك اللفظة في الموروث العربي من رمزية القيادة والوصاية والسيطرة والتوجيه، ولعل “سفن-أب” و” ميك-أب” وليس آخرها “واتس-أب” نماذج عن تلك المنتجات التي غزت حياتنا في غفلة منا، فلم تتوقف عند تأثيراتها السلبية الشكلانية-الآنية، وإنما تعدته إلى التأثير الجذري في قيمنا ورؤيتنا الهواياتية-المستقبلية، ما يجعل من الضروري التوقف عند تلك الظواهر لملاحظتها واستقراء مناخاتها ودراسة مخرجاتها وفهمها الفهم العميق.
على ذكر “الواتس-أب”، لست قطعًا من المتحفظين على الشبكات الاجتماعية ولا الوسائط التفاعلية علاوةً على عدم عداوتها، بل يمكن اعتباري من أكثر المتحمسين لهذه الفضاءات والداعين لاقتحام أسوارها والتبحر في أجوائها، ذلك أنني لا أرى أنفسنا أمام خيارٍ نقبله أو نرفضه، وإنما نحن أمام واقع مطالبون بالتفاعل معه بكل وعي ومسؤولية.
كل ما في الأمر أنني أستنكر تلك الحالة المضطربة/ المتشظية، والتي نعيشها حيال كل جديد يقتحم حياتنا، ما يجعلنا نرتبك في كل مرة، فيقرر بعضنا –وعيًا أو لا وعيًا- التخندق في زاوية الرفض، ولا يتوقف ذلك الرفض عند مظهره السلبي ولا حتى عند ارتقائه إلى مظهره الإيجابي في خلق ممانعة واعية، بل يتطور ذلك الانزواء إلى حالة مرضية تتطور تدريجيًا إلى فعلٍ غاضبٍ متطرفٍ تنعكس نتائجه على ذواتنا بدءً قبل أن ترتد نحو الآخرين.
على نقيض ذلك يندثر بعضنا الآخر محاولاً الذوبان في منظومة لا يفقه فلسفتها ولا يمتلك أدواتها، وليس لديه القدرة على مجارات تطوراتها وتفاعلاتها، فيتدثر ظاهرها بامتلاك آخر وسائلها المادية التقنية، دون الوعي بمتطلبات بلوغ منجزاتها الحضارية والإنسانية، فيتحول إلى مسخ تائه، يتخبط كالغراب الذي اجتهد في تقليد مشية الطاووس، فحين فشل كان قد أضاع مشيته!!.
ذلك كله بلا شك نتيجة عقليةٍ جُبلت على ردة الفعل بدل صناعته!، وتجميد الاجتهاد بدل إحيائه، وترشيد الصحوة والثورة بتعميق الرؤى والتشاكل مع بناها الجوهرية بدل الانشغال الصبياني مع مظاهرها السطحية، وتقديم الإنسان -ذكرًا كان أم أنثى- على ما سواهما من ترف البنيان، فهما أصل كل عمران..
خبر الهدهد: إنستغر-ام

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. كل مايعني المستهلك هنا تحميل أيقونات مجانية بأحسن الصيغ.أما واتس(أب)وانستقر(ام)المنتهية بأصل العمران قدمت في مجتمعنا ترف البنيان! مقال عميق!شكرا دكتور على طرحك

  2. نعم فنحن ذلك الغراب الذي أضاع مشيته بتقليده للآخر دون وعي حتى تلاشت الهوية تقريبا . شكرًا لك د عبد الحق .

  3. ملامسة واقعية فيها انزياح نحو التجربة الذاتية أعطت لمرمى الموضوع مصداقية فيها من الدعوات الغير مباشرة للذهاب عميقا في لحظة تقبلنا للمنتج الاستباقا للتفكير في درجة تداخله مع ذواتنا… رؤية هادئة و واعية لما تقوله أستاذ عبد الحق طيب هقي

  4. الاستاذ عبد الحق هقي
    مقال رايع ويحاكي واقعنا
    وكل جديد جميل عندما نستغله بما يفيدنا
    ونسخره لمصلحتنا
    ولكن للأسف يستغل عكس ما نريد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى