عبدالرحمن الأحمدي

يعلِّمُني حبَّ الوحدة .. فأعلِّمُه حبَّ مكَّة..!!

يشعرك وكأنَّه المحبُّ الوحيدُ .. وكأنَّه الملهمُ العجيبُ ..يدَّعي الحبَّ الأوحدَ للمحبوبة الحمراء(الوحدة) .. يدَّعِي الشَّرفَ العظيمَ وحده ..ينظر إلى الثَّغرات العديمة .. والذِّكريات القديمة .. تلك هي العقول الضَّيِّقة الأفق .. وتلك هي الأفكار السَّقيمة .. الابتلاء نعمة .. والصَّبر قمَّة .. والرُّقي ميزة الإنسان .. والذَّوق تميُّز الإنسانيَّة .. والفاضل لا يدنو إلى المهاوي .. والمحترم لا يحبِّذ السِّباحة في المياه الآسِنَة .. هكذا علمتنا الحياة الصَّادقة ..هكذا تعلَّمنا بالفعل من ذوي النُّفوس الصَّافية؛ ذات الرُّوح العليَّة.. والمشارب النَّقيَّة .. وكانت ـ في نُفوس المحبِّين العاشقين ـ ولا زالت المأوى الآمن .. والمكان المقدَّس .. والأرض الطَّاهرة.. والمعاد العتيق على عتبة الزَّمن المجيد .. لم تتبدَّل على مرِّ الأيام .. بل تزداد مهابة وأمنًا وأمانًا حتَّى تؤدِيَ الرِّسالةَ .. وتكتملَ القصَّةَ حتَّى نهايةِ المشوار..!! فهي ـ لذلك ـمنبعٌ للقيم الرَّصينة .. وللمبادئ الثَّابتة المتينة .. وللحقائق التي لا تزول ولا تندثر بالتَّقادم أو التَّجديد .. مؤيدة من ربِّ السَّماء ..مصانة بجند من جنده .. لازالت فائضة المحبَّة والعطاء .. لا يدنِّسها مذنب .. ويذوق فيها العذابَ الملحدُ الظالمُ .. ولا يُسقِط مكانتها صعلوك عابر .. ولا يحرِّك تاج وقارها مسكين غابر .. هي والله وبالله وتالله مقصدي ودنياي الواسعة .. أُقبِّل ترابَها.. وأسجد على أرضها لربِّ البيت الحرام ..

وهذا لي ولغيري من المسلمين عزَّة وشرف .. ومكانة ومهابة .. شرابها عظيم؛ شفاء وطعام .. ولمن صلُحت له النِّيَّة كان له على ما يشاء..-بإذن الله- البلدة الحرام .. على مَرِّ الأزمان .. احترمها الجاهليون .. وعظَّموا شأنها على جهلهم وبعدهم .. وعندما أحبَّها المؤمنون وتمكَّنوا منها قدَّروها خير تقدير .. فكانت نورَعيونِهم .. واستقرارَ فؤادِهم .. لا تُحصى فضائلُها .. فما عرفناه في حدود علمنا ..وما لم نعرفه أعظم وأكثر .. حرسها الله .. ومتَّعنا ببنائها العظيم الكعبة المشرفة، وذلك الحجر الأسود .. وهو يريد أن تضيق المعاني .. وتصغر المساحات .. ويصبح الجديد أبدى من العتيق .. ويصبح الحديث أولى من القديم .. انقلاب في المفهوم .. واشتباه في الفكر .. واشتباك في المشاعر .. واختلاط في المفاهيم.. ونسى من قال في الهوى ((نَقِّلْ فُؤادَكَ حُيْثُ شِئْتَ مِنَ الْهَوَى … مَا الحُبُّ إِلَّا لِلْحَبِيْبِ الأَوَّلِ)) .. وهذا في الهوى .. فكيف في مهوى الأفئدة؟ والحب المقدَّس الخالد .. وهي الحبُّ الأوَّل والأخير .. غياب الوعى خيبة أمل .. وغياب المنطق سوء تفكير .. وما بين هذا وذاك نحتاج إلى الاستدراك والتَّأهيل والمراجعة .. لنفرِّق بين الواجب والمستحب .. وبين ما هو متأصِّل وبين ما هو مستحدث!!

أنتِ يا مكَّةُ .. ستظلِّين الحبَّ الحقيقيَّ .. والوفاءَ الأبديَّ ..فكلُّ ما دونَك سراب .. وكلُّ ما دونَك يذهب ويرحل .. وكلُّ ما دونَك حقيقته عابر ـ في الأحداث ـ يظهر في زمن ويغيب في أزمان أخرى .. فلله درُّك من بلد وُجِد فعُظِّم ..وذُكِر فخُلِّد ..كان وما زال مُهابًا ومُقدَّرًا عند ربِّ السَّموات والأرض .. ليس لنا سوى تبجيله واحترامه، ولا نقارنه بما سواه أبدًا..فياليت المتشدِّقين يفهمون..!!

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. مقال جميل ورائع. كالعادة متألق .
    ماشاء الله لاقوة الا بالله

  2. نقل فؤادك حيث شئت من الهوى …
    حب الوحده من حبنا لمكه الله يعمرها مقال رائع بروعة كاتبه ابن مكه لك كل ودي وحبي

  3. روح الكاتب تعانق روحانية مكة..لو استشعر كل مسؤول قدسية هذا البلد ، لأصبحت مكة وأهلها نموذجا للثقافة والتطور.
    مع التحية لهيئة تطوير مكة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى