أعود بالذَّاكرة للوراء قليلاً .. ﻷعوامٍ مضت؛ أتذكَّر ذلك الفنان حين تغشَّته في ذلك المساءِ الجميلِ تلابيبُ من الهداية والتَّوبة، صعد إلى منارة ذلك المسجد .. وصدح بصوته الجميل .. ورفع الأذان وسط تهليل وتكبير من الحضور، وإعجاب من المصلِّين .. وفرح وابتهال من المحبِّين على حدٍّ سواء، فالجميع يعلم كبر حجم هذا الفنان شهرةً ونجوميَّة، خاصَّةً وقد تصدَّر اسمه قمَّة المجد النَّاعم!! داخل وسطٍ فنيٍّ هُلاميٍّ، ولِمَن عرف حقيقتَه المرَّة هجره .. ورحل عنه .. وتدارك ما بقي من عمره؛ علَّ اللهَ يغفر له. وهذه الحقيقة غيرُ خافية على المنتمين لهذا الوسط، فلو صدق أحد منهم مع نفسه؛ ﻷقرَّ بذلك الحقِّ، والأمثلة على مثل هذه الحالات غيرُ مستغرَبة. فمنهم: من أتمَّ الله عليه الهداية، واتَّجه إلى مجال الدَّعوة في الله. ومنهم من صار مُؤذِّنًا في مسجدٍ. ومنهم: مَن عاد إلى حياته الطَّبيعيَّة وأسرته الصَّغيرة. وغيرُهم ـولله الحمد ـ كثيرٌ مِن الَّذين عفى الله عنهم.
وحين تمَّ تداول مقطعٍ للفنَّان طلال مدَّاح ـ رحمه الله ـ مُؤخَّرًا عبر وسائل التَّواصل الاجتماعي برسالة نصها..( طلال المداح رحمه الله الذي عرف بحبه للناس وتقديمه الخير للغير وجدنا له هذا العمل الصالح وهو يقرأ آيات من القرآن الكريم ساعدونا في نشره جزاكم الله خيرا فإذا نشر بعض الناس أغانيه فلننشر نحن هذه المقاطع التي نسأل الله أن ينفعه بها في قبره ..)..وقدساهم من ساهم في نشره؛ بقصد الأجر والمثوبة ﻷخينا المسلم، عرفتُ أنَّ الفطرةَ السَّليمةَ للمسلم ـ ومهما ذهب بعيدًا ـ سيعود ويعرف أنَّ كلَّ ما يقدِّمه في غير مرضات الله؛ سيذهبُ هباءً منثورًا، كما قال الحقُّ: ((وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا))، ولا يبقى إلَّا العملُ الصَّالحُ، فقد يجتهد المعْنِيُّ في آخر حياته: بالتَّوبة والإقبال على الله .. وتركِ كلِّ الذُّنوب والمعاصي .. واستدراك العمر بالطَّيب من القول والعمل .. أو أن يقوم أحدٌ من أبنائه ممَّن وفَّقه الله لعمل الصَّالحات مِن .. دعاء خالص .. وصدقات .. وهذا ما عرفتُه شخصيًّا من قيام أحد الأبناء البارِّين بوالده، والَّذي كان من الفنَّانين المعروفين آنذاك في مكَّة المكرَّمة؛ فقد جمع ما استطاع من تسجيلاتٍ غنائيِّةٍ له من السُّوق .. وممَّن يملكها ويقتنيها .. ومِن ثمَّ التَّخلُّص منها نهائيًّا، فجزاه الله خير الجزاء .
وهناك من يذكر أخاه المسلم بسوء؛ سواءً كان هذا المقصودُ عالِمًا أو تاجرًا أو فنَّانًا. فما فائدة التَّحدُّث عن ميت..؟فالميت لا يملك من أمره شيئًا .. فهو لا يسمعك حتَّى يُدافعَ عن نفسه .. وأنت لا تستطيع أن تعتذرَ له ممَّا قلته عنه. أفلم يقرأ هذا المغتاب قول الحقِّ سبحانه ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) .. بل أَلَا يعلم هذا المُرهف الحسُّ ـ وكما يدَّعون ـ أنَّه يومًا سيُحمل على آلةٍ حدباء .. وسيَلقى المصير نفسَه .. أم يعتقد أنَّه سيكون خالدًا ـ نسأل الله تعالى السَّلامة والعافية ـ. يا مَن تدَّعون أنَّ الفنَّ رسالةٌ عظيمةٌ، هل من المعقول أم من المقبول ممَّن يملك مشاعرَ فيَّاضةٍ .. وأحاسيسَ جميلةٍ التَّعرُّضُ للآخرين بما يَخدش الحياء .. وينافي الوفاء .. وينتهك حقوق الغير؟ لو أنَّ للفنِّ رسالةً حقيقيَّةً صادقةً لما قال من قال ما قال .. كيف والقائل مشهور؛اللَّهم اغفر لموتانا ولموتى المسلمين .
الله يجزاك خير …..
علئ هذه المشاعر الفياضة …