مكة.. وما أدراك ما (مكة) أم القرى، ومهوى الأفئدة، وموطن القداسات، عنوان الطهر وأحب البلاد إلى الله تعالى، وأحبها إلى نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ولعباده الصالحين، اختارها المولى -عز وجل- ليبني فيها الخليل إبراهيم -عليه السلام- أول بيت لعبادة الله تعالى في الأرض، قطعة من الأرض هي الأقرب للسماء، فمكة حرسها الله كالشمس بين النجوم، كرّمها الله فجعل الصلاة في مسجدها أفضل من مائة ألف صلاة في سواها، أي أن صلاة واحدة في الحرم أفضل من صلاة لخمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشر ليالي خارج مكة وصلاة يوم بليلة (خمسة فروض) أفضل من صلاة ٢٧٧ سنة، وصلاة عشرة أيام أفضل من صلاة (٢٧٧٠ سنة) وعليك الحساب، بمسجدها قطعة من الجنة (الحجر الأسود)؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-:( نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني آدم)، وبه ياقوتة من الجنة (مقام إبراهيم) شوارعها وسككها تشرفت بأن مشى بها سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، كل مكان فيها يُذكرك بتاريخ الإسلام وأمجاده . وأما اهل مكة فحدّث عن مكارمهم وشرفهم بلا حرج، كيف لا وقد اختصهم المولى -عز وجل- بمجاورة بيته، وشرفهم بخدمة ضيوفه، وقد كان يُقال لهم: ( أهل الله)، كما جاء في الحديث الذي خرجه الأزرقي عن ابن أبي مليكة بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعتاب بن أسيد حين استعمله على أهل مكة:( أَتَدْرِي عَلَى مَنِ اسْتَعْمَلْتُكَ؟ عَلَى أَهْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَوْصِ بِهِمْ خَيْرًا) وهو حديث مرسل وقد ضعفه البعض، كما جاء عن الأزرقي والفاكهي أن أهل مكة كان يُقال لهم: ( ياأهل الله)، وقال أهل العلم إن هذا الكلام من باب التعظيم لأهل مكة وجيران البيت، كما يقال (بيت الله) تعظيمًا للبيت الحرام. وقد رتب المولى -عز وجل- لهم من الخصائص والفضائل ما يميزهم عن سائر المدن في العالم بأسره، فالمكي يُحرم للحج من بيته، والمكي ليس عليه دم تمتع أو قران في الحج ولا طواف وداع، وأهل مكة يطوفون بالرضيع والفطيم، وإذا حان الأجل صلوا عليهم في بيت الله الحرام، حتى فقراء مكة مميزون فلهم لحوم الكفارات ودم الجبران والفدية وغيرها، ومكة شرفها الله والمكيون محبوبون من سائر المسلمين، فحب مكة من الإيمان لحب الله تعالى لها، فقد قال- صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجتُ) حديث مرفوع، فما غُبط أهل بلدة كما غُبط أهل مكة. وصدق الشاعر الذي قال عن أهل مكة:
لاعيب فيكم سوى أن النزيل بكم ** يسلوا عن الأهل والجيران والخدم
ولكن من هم أهل مكة…؟ وهنا لن أخوض في آراء الفقهاء والمؤرخين وغيرهم وسأختصر الطريق. فأهل مكة هم كل مكي يُعَظِّم بيت الله الحرام بالعقيدة الصحيحة، واتباع وحب سنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-. وأهل مكة هم كل مكي يحرص على أمن البلد الحرام، ويحرص على سلامة ضيوف الله، وأهل مكة هم كل مكي يستشعر عِظَم المسؤولية لمجاورته لأقدس بقعة على وجه الأرض، ويتحين الفرص للفوز بخدمة ضيوف الرحمن بطريقة مباشرة كالمطوفين والزمازمة ومنسوبي رئاسة الحرم، وشركات العمرة ومنسوبي وزارة الحج ومشروع تعظيم البلد الحرام، وجمعية هدية الحاج وغيرها من القطاعات، أو بطريقة غير مباشرة ككل مواطن ومسؤول ومقيم في مكة. وأهل مكة هم كل مكي ومكية يضع زيارة الحرم بين وقت وآخر ضمن أولوياته، ويحمل معه القهوة والشاي والتمر وماتيسر من الهدايا لضيوف الرحمن كنوع من الشكر العملي للمولى -عز وجل- الذي اختاره من بين أكثر من مليار مسلم لمجاورة بيت الله. وهم كل مكي يحرص أن يكون قدوة في سمته وأخلاقه وتعاملاته وإخلاصه وتفانيه في عمله، وهم كل مكي يحمل همّ هذه المدينة المقدسة، وهذا الوطن العظيم (المملكة العربية السعودية)، ويسعى للارتقاء بها لأعلى القمم. فهل أنت من أهل مكة…؟! * باحث في تاريخ وآداب الحرم.