المقالات

(تــا) و( ثــا) في البلدان، والجذور(1)

تطالعنا عند استعراض المعاجم البلدانية، مجموعة من الحواضر والأسماء  مبدوأة بالبادئــــــة ( تــا)، مثل:

تادف

تاهرت

تاراء، تاران ، تاجنّـــة ، تاجورا وتازة وتادلة وتاشكوط وتامد موس وجبل “تاكا” في السودان الشقيق ……. الخ.

وبالاستقراء وجدت أن هذه الأسماء تمثل مدناً عامرة أو مهجورة أو أودية أو جبالا أو كهوفا أو بحيرات، مما أثارني للبحث ومحاولة فهم دلالات الاسم وجذوره.

 

وفي الوقت نفسه تطالعنا أسماء أخرى تنتهي باللاحقة ( تــا ) مثل:

عنبتـــا

قرحتــا ، أو كرحتــا،

جعيتــا ( مغارة أو كهف في لبنان).

زيتــــا، وكفر زيتا

مرمريتـــا، وكثير من الباحثين والمؤرخين يسمونها( مرمنيثــا) ، تنتهي باللاحقة ( ثــا) المثلثة وليس( تـا) المثنّـاة ، وتبقى في قائمة بحثنا، ويقول الباحثون المرمريتيون، من علماء اللاهوت(باعتبارهم من النصارى) :

 

أنَّ ما ورد في الموسوعة العربية للدكتور احمد داوود: إن مرمريتا تعني ربة الأرباب في اللغة السريانية و هي مشتقة من / مارمارتو / فهذا غير صحيح، و قد اعتمد التلفزيون العربي السوري على هذا التفسير لما عليه الاسم الحالي نقلاً عن الموسوعة وبالعودة إلى معنى الاسم فقد اجمع العارفون باللغة السريانية أن مرمريتا اليوم تعني المكان المطل أو المشرف، و هذا مقبول أكثر نظراً لموقعها في حضن جبل السائح المطل على سهول عكار و البحر المتوسط و جبال لبنان من طرطوس مروراً بطرابلس حتى هضبة القصير (وبالمناسبة نذكر بأن تسمية الجبل بجبل السائح نسبة الى القديس توما الحمصي السائح الذي توفي في القرن الثاني الميلادي و تجعل له الكنيسة عيدا في العشرين من تموز من كل عام).

كما أريد أن أذكر أن المراجع الدينية لطائفة الروم الكاثوليك و الروم الأرثوذكس و كتابات حبيب الزيات الذي تحدث عن قرى و بلدات سوريا الطبيعية تؤكد على هذه التسمية أي مرمنيثا. ، قلت:

فإن كانت التسمية( مرمريتا) حقا فأرى أنها مؤلفة من ثلاثة مقاطع:

مار + ماري+ تــا

مار ماري وتعني القديسة مريم + تـــا، موضوع بحثنا.

كما تطالعنا أسماء من نفس الفصيلة تنتهي باللاحقة ( ثــا) المثلثة النقاط، مثل:

جبّاثــا

طهياثــــا

بقعــاثــا ………..

 

و(ثــا)على الترجيح مني اجتهادا ، قد تعني النفي ، ولربما كان معناها الحجارة التي ترفع فتكون علما، كما نصَّ ياقوت الحموي في معجم البلدان(2/72) وقلنا لمَ لا يكون إشارةً إلى العمران عموما؟! حجارة العمران البارزة، وقلت: الراجح أن (تا) = (ثا)

 

وما نستنتجه أو نتوقعه من دلالاتٍ لـ(ثا) يُضاف إلى دلالات (تا) والله أعلم.

 

جُـبَّـاثـا = جبا + ثــا

 

ولنتذكر في العربية أن الجذر ( ج ب ا ) يشير الى البئر أو التراب الذي يكون حول البئر.، فتكون جباثا بمعنى ( التي ليس فيها تراب حفر الآبار) ومن يعرف الجباثتين في سورية ( الجولان : جباثا الخشب وجباثا الزيت) يعرف أنهما مليئتان بالآبار، وحفر البئر هناك لا ينتج عنه تراب حول البئر ، فهي أرض صخرية لا تراب فيها ألبتة.

 

وقد يكون (ثا/تا) بمعنى الأرض أو ما شابه ، فيكون المعنى مكان الآبار.

 

بقعاثا = بقعُـهَ+ ثا .، وقد تعني مكان البقع، ودليلنا:

 

معنى بقع في لسان العرب البَقَعُ والبُقْعةُ تَخالُفُ اللَّوْنِ وفي حديث أَبي موسى فأَمر لنا بذَوْذٍ بُقْعِ الذُّرَى أَي بيض الأَسنمة جمع أَبْقع وقيل الأَبقع ما خالَط بياضَه لونٌ آخر.

 

ومن يعرف قرية بقعاثا في الجولان المحتل يدرك أنها كذلك.

 

طهياثـا = الطهي ( أو طُـهَـيَّـة : قبيلة معروفة / بنو طهيّة) + ثــا .

 

والمعنى:

 

إما أرض لا يُطهى فيها ، أو ليست تابعة الى بني طهيّة ، على اعتبار أن ما حولها من أماكن هو من اختصاص بني طهيّة، ما عدا بقعة واحدة هي( طهياثا).

 

وإما ( باعتبار الفَـرَض الثاني لمعنى “ثــا” وهو المكان) فالمعنى أرض بني طهية.

 

وجاء في مقاييس اللغة حول الجذر(ط هـ ي/ طهي) :

 

الطاء والهاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على أمرين إمّا على معالجة شيء، وإما على الرِقّــــة. فالأول: علاج اللحم في الطَّبْخ.

 

والطَّاهي: فاعل، وجمعه طُهاة. قال:

 

      صَفِيفَ شِواءٍ أو قديرٍ مُعَجَّلِ

 

وقال أبو هريرة في شيء سُئِلَ عنه: “فما طَهْوِي إذاً ـ أي ما عملي ـ إن لم أحْكِمْ ذلك”.

 

وحكى بعضُهم طَهَت الإِبلُ تَطْهَى، إذا نَفَشَت باللَّيلِ ورعت، طَهْياً، كأنَّها في ذلك تُعالجُ شيئاً. قال:

 

ولسنا لباغي المُهْمَلاتِ بقِرْفةٍ *** إذا ما طَهَى بالليلِ منتشراتُها

 

والأصل الآخر الطَّهَاء، وهو غيم رقيق، وطُهَيَّةُ: حيٌّ من العرب، ومن ذلك اشتُقَّ.

 

والنسبة إليهم طَهَوِيّ وطُهْوِيّ.(1)

 

أما (تــا) فما معناها، بادئــةً أو لاحقــة ؟؟؟ ما جذورها في اللغة؟

 

وهل هي عربية الجذور؟

 

لم أجد لها أية أثارة في جذورنا اللغوية والصرفية، وإنما وجدت في المراجع اللاهوتية لأهل الكتاب (تاو):

 

جذور التاو القديمة:

 

 التاو هو الحرف الأخير من الأبجدية العبرية، وكان يُستخدم بشكل رمزي منذ العهد القديم؛ يُحكى عنه في نبوءة حزقيال: “اجتز في وسط المدينة في وسط أورشليم وارسُم تِواءً على جباه الرجال الذين ينوحون ويندبون على كل الأرجاس التي صُنعت في وسطها” (حز 9، 4). التاو هو الرمز المرسوم على جباه فقراء إسرائيل الذي يخلصهم من الفناء.

 

(ولنا في التاو وقفة أخرى بعد قليل إن شاء الله تعالى)

 

في وقت لاحق، اعتمد التاو من قبل المسيحيين الأوائل بدافع مزدوج:

 

  1. لكونه الحرف الأخير من الأبجدية العبرية، كان نبوءة اليوم الأخير وكانت لديه وظيفة الحرف اليوناني أوميغا، كما هو مذكور في الرؤيا: “أنا الألف والياء، البداءة والنهاية أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً… أنا الألف والياء البداءة والنهاية الأول والآخِرُ” (أع 21، 6؛ 22، 13).

 

  1. اعتمد المسيحيون التاو لأن شكله كان يذكّرهم بالصليب الذي عليه ضحى المسيح بذاته من أجل خلاص العالم، حسب الفكر النصراني الذي يقول أن المسيح صُلِب ليكفر أخطاء شعبه، ونحن نتساءل :

 

مادام المسيح عليه السلام هو الابن الوحيد لله بزعمكم، فلمَ لمْ ينقذه وهو القادر على ذلك ؟!

 

مجرد سؤال فقط ودعوة للتفكّـــر !!!.

 

(( ونتابع في الحلقة القادمة باذن الله تعالى )) ……….

د. محمد فتحي الحريري

باحث في شؤون اللغة والاسرة وعلم التربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى