المقالات

“سيلفي..”

لُجة الأيقونات-

منطق الطير: “إن ما يسعى إليه الإنسان السامي يكمن في ذاته هو، أما الدنيء فيسعى لما لدى الآخرين” كونفويشيوس.


          “سيلفي” Selfie)) الصورة الملتقطة ذاتيًا، تلك الحركة القديمة المتجددة، والتي تعود إلى العام 1926 م أو ربما قبل ذاك التاريخ -لا كما يُخيل للكثيرين بأنها جديدة مستحدثة-، والتي غدت ظاهرة مثيرة للانتباه والتأمل في الأعوام الأخيرة، خصوصًا مع تطور تقانة الهواتف الذكية وابتكار عديد التطبيقات السريعة، وانتشارها بين الجميع بعد أن كانت حكرًا في فترة زمنية سابقة على نوع من الشباب؛ وما يحمله التقاطها وتداولها من مواقف غريبة وطريفة، وصل بعضها إلى حد الصدمة!! مغامرةً وجنونًا وموتا.

وبغض النظر عن التحذيرات المتتالية من هذا السلوك وتشخيصه كانعكاس لنرجسية مرضية، واضطراب عقلي يتأكد مع الإدمان عليه بصورة مشوهة، فإن ما يعنيني صراحة هو أن ذلك السلوك على تعداد سلبياته يبقى سلوكًا فطريًا محببًا للنفس، كلٌ منا ربما فكر في ممارسته أو مارسه ولو خلسة، بشكل أو بآخر، ملخصه: إني أريد أن أرى نفسي بنفسي،  أرى ذاتي بعيني، فالمسألة تتجاوز –باعتقادي- في “اللاوعي” مجرد التقاط اللحظة إلى ما وراء اللحظة، “الأنا” ماضيًا وحاضرًا وربما مستقبلاً.

لكن ذلك “اللاوعي” في الممارسة كما يبدو يظل “لاوعيًا” ينقشع أول استدارة كاميرا الجوال، لا يثير مكامن الأسئلة في ذات قلقة مضطربة، تعيش في ظروف متأزمة متشظية، وإنما ينغمس في جعجة جماعية لا طحين لها، تهميشٌ لـ (وعي الذات) الذي هو أصل التغيير المجتمعي في الوصف القرآني، وأصل البناء والعمران، وعي الذات الذي يرتقي بالإنسان ليتجاوز مأزق الذات اللوامة والذات العالقة في عديد الأسئلة الوجودية، الوعي الذي يتخطى بالذات من كرنفالية الحضور إلى ديناميكية الفاعلية.

لا يبدو ذلك الطموح المشروع مستحيلاً وإن أقررنا بصعوبته، خصوصًا في عوالم تتخطفك من (ذاتك) لتدمجك في حركية “لامتناهية” حد العبثية، أو تعيدك إلى قوقعة تنكمش فيها (ذاتك) حد الاضمحلال وفقدان الشعور بها، مما يتوجب ابتداءً إعادة اكتشاف المرء لذاته، من خلال مجابهة متجددة لانعكاس رؤاه في الحياة، ومواجهة دائمة مع رسالته، وتشابك مستمر مع أهدافه، ومتابعة حثيثة لخططه ومشاريعه الذاتية، إدمان على “سيلفي” من نوع آخر، يمكن أن أصطلح عليه: “سيلفي” الأفكار.

خبر الهدهد: “الكيبورد” الباكي!!!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سيلفي؛ ربما يعيد للذات الوعي بذاتها الحقيقية لتجد نفسها شكلا ومضمونا بعد أن صنع المجتمع لها ذات أو بالأحرى ذوات خيالية متفرقة كل يشكلها كما يهوى !

    شكرا دكتور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى