تَشِعُّ النَّفحاتُ والنَّسماتُ الإيمانيةُ من البيت الحرام لكلِّ أرجاء الكون، فتكون خيرًا لمن له قلبٌ أو فكرٌ سليم، وتكون أَلَمًا ونكدًا لمن ابتغى غيرَ الهُدى والتُّقى طريقًا، وهذا وعدٌ وتأكيدٌ من ربِّ العالمين. وحيُّ (شعبةِ المغاربةِ) مُطلٌّ على بيت الله، ناله نصيب عظيم من الخيرات والبركات، فكأنِّي حينذاك وبوضوحٍ أَلمحُ إِمامَ الحيِّ الشَّيخَّ الأنصاريَّ محمَّدًا، والمُحبَّ أبا الباسم يوسفَ مُترجِّلين إلى المسجد الحرام؛ ابتغاءَ العبادة والطَّاعة، وقد تقدَّمهما إلى الصُّفوف الأوَّليَّة الخلوق الشَّيخ الزَّراع على، وهما وكلُّ الحيِّ ذلك الرَّجل في اتِّجاهه ووجهته، ويعاود النَّظر ليبصر أَنيسَ الحيِّ هناك ذا الحكايات النَّادرة، والمواقف الباسمة الممتع سعودًا. وتعود الذَّاكرة مرَّةً أُخرى لعهدها القديم فتَذكُرُ الجارين الباعشن عمرَ ورفيقَهُ الباسهل محمَّدًّا، وجارهما أبا محمد نصيب والَّذَين لهم من التَّقدير والوَقَار الكثير. وينافسُهُم ابنُ الشَّامِيَّةِ المِكِّيُّ القادمُ للحيِّ الجميلِ الرَّاوه محمَّدٌ، ذلك الذي تعلو الابتسامةُ على وجهه كلَّما تُصافِحُه وتقتربُ منه، ولا يَبعُد كثيرًا في الجِوار ذلك الرَّاغبُ في نشر الثَّقافة والأدب في دُكَّانه الجروليِّ بائعُ المعرفة، والحدثُ العماريُّ محمَّدٌ، والشَّاهدُ آنذاكَ الإعلاميُّ القدسيُّ زاهدٌ، ويوازيه ابنُ عمِّهِ صاحبُ المتجرِ الصَّغيرِ العماري أحمدُ ذو الخلق الرَّفيع، وهنا مالكُ المتجر المتواضع داخل الحيِّ المطوِّع حبيبُ الذي يمكن لسمعِك أن يسترق الصَّوت حين يصدح المُذيع (هنا لندن)، إلى مبتغِي الأجرَ في نيل رضى الرَّبِّ في بناء بيت الله باناعمةَ عبدِ اللهِ، إلى المحترم باحجرةَ عمرَ منتسب الجريدة المكِّيَّة العتيقة المرحومة (النَّدوة)، وإلى التَّاجر الإمامِ محمَّدِ صاحبِ المخبزِ الشَّهير والذي يؤكِّد قول الحقِّ سبحانه: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جَوْعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، وإلى جار المخبز ذلك الرجلِّ الأنيقِ الشَّريفِ زيدٍ الممتلئ حُبًّا وتبسُّمًا وبشاشةً، ومِن حولِهِما الخبير العقاري عريف النَّوَّاريَّة العصامي اللِّحياني ابن محيسن. وإلى ذلك الرَّجلِ الذي إن كنتَ تريد أن تُفسِّر معنى الهدوءِ والتَّأني والرِّفقِ والتَّواضعِ فاكتفِ بالإشارةِ إلى المطمئنِ العُرويِّ صالح. وأعود ثانيةً إلى الضِّفَّة الأُخرى مِن هذا الحيِّ العريق فأتذكَّرُ عمدةَ الحيِّ الرَّجلَ المِقدامَ المطرفيَّ ناشِئًا، وسلفَهَ المعروف اللِّحيانيَّ حامدَ محِبِّ الخير مصلحِ ذات البين، وفي معاونته الأوَّل تلو الآخر نقيبا الحيِّ الهُمامان الشلية محمَّدٌ وحامد، وإلى جوارهما الجار المبجَّل صديق الكتاب ورفيق الأدب والفكر السَّمندر عبد الرَّحمن والذي تكسو محيَّاهُ الفضائلُ الرَّاقيةُ، ولا يُنسَى المُبحِرُ في لغة العرب وأسرارها معلِّمُ القلعة المشعليَّة الفاضلُ الرّحيليُّ وصلٌ، وأمامه مباشرة زميلاه المعلِّمان سعدٌ وسعود، إلى أن ترى بعينيك الشَّريفَ على ذلك الرَّجل الذي يحمل في فكره الرَّجاحةَ والرَّزانةَ وحُسنَ الخلق، ويوافقانه في حسنِ الجوار الفاضلان حميدُ ومعتوق، ولا يغيب عن البال الشَّيخُ الكريمُ الحبيبُ عيضه مستفتِح فرحةِالأعياد،وهناكَ الشًّيخُ يحي راعي المجلس متذوق الشعر والكسرة معا ، والبَنَّاءُ الماهر والموظَّف المخلِصُ لاحقُ جار الله، وزميلُه الحازميُّ عليٌّ الَّذي لا يتوانى في تقديم كلِّ ما يستطيع تقديمه من معروف وطِيب في دائرة الإمارة، ومحِبُّ صلة الرَّحم والحريص عليها سلامة، وأخاه القدير منصور، وصاحب الطُّرفة الحاضرة، والموقف المتعمِّق في الأنس المبهج عبد الله، وصاحب الحضور الحسن والحديث البليغ المغامسي وصل، والجهني سليم الذي سلم قلبه، وصفت دواخله، فبان الصِّدق والطِّيب على مُحيَّاهُ، وأخواه المحترمان، والهذلي حمود القادم من وسط الرَّيَّان الذي ما إن تَرَهُ مُقبلاً حتَّى تُبديَ له الاحترامَ والتَّوقيرَ والتَّقديرَ، وجاره الحاذق خضران، وإلى الظَّاهريِّ رشيدِ المعلِّم النَّبيل في زمن الجميلة( المعارف)،ورفيقِيه الأستاذين عبدالسلام و دخيلِ الله،وذلك الجار المثالي بخيت، والجارين والجارين المحبين المولَّد عطا الله، والمولَّد مبروك؛ فنعم هؤلاء الجيران، سماتٌ عظيمةٌ علت على وجوهٍ محترمةٍ بادية عليهم وعلى من حولهم من الأفاضل، فالكلُّ سواء هذا ديدنهم أجمعين من الخُلُق والحقِّ والحياة النَّقيَّة الزَّاهية.وجوب الوفاء والتَّبجيل لمن ذكر هنا ولمن سقط عفوًا من جوف الذَّاكرة، إلى وسط القلب مباشرةً، فلا خيار، فالحيُّ جميل، وكلُّ من سكن أو رحل منه جميل أيضًا. وهي رسالة إلى أنفسنا، هؤلاء الأكارم أباؤنا وجيرانُنا، منهم من رحل؛ فندعو له بالصَّفح والغفران، ومنهم من يَرفُل بالصِّحة والعافية بيننا؛ فندعو له بطول العمر وحسن العمل، فعلينا باقتفاءِ الأثر في الدِّين والدُّنيا معًا، وحسن الخُلُق وجميل الفعل، وإن كنتُ أرى متفائلًا تلك الخيمةَ الشَّاخصةَ في منتصف الحيِّ بقيادة المايسترو يحي ورِفاقِه، ويتعهدُها المحسنُ المكِّيُّ الأحمديُّ يوسف؛ تُذكِّرُني بذلك المسرحِ في تلك المناسبة الخالدة لأفراح عيد الفطر المبارك للحيِّ، فالزَّمان قبل أكثر من خمسٍ وثلاثين عامًا، والمكان شارع عين زبيدة، والحضور لكلِّ من شارك الحي لياليه، أدام الله الأفراح لهذا الحيِّ الباهي دائمًا وأبدًا ولغيره من الأحياء السَّعادة والسُّرور والمحبَّة.
6
ما شاء الله ……..ابداع
الله عليكم يابو محمد والله هيجت مشاعري واذهلتني بسلاسة الكلمه وسرد قصة حي من اعرق واقدم احياء مكه اسال لك التوفيق والسعاده
صور جميلة من ماضي جميل افتقدناه.
شكرأ لك على جميل العبارة وسلاسة الأسلوب الذي نقلني إلى ماضي وكأني عشته.
بالتوفيق.
بصراحه استغرب كثيرا من الكاتب الذي لم يتطرق كثيرا الى رجالات الحاره وذكر القليل منهم فهناك رجال رحلو الى رحمة الله ولن ننساهم وكان لهم الفضل الكبير بعد الله في زرع المحبه والالفه بين الجيران في الحاره رافد الاحمدي واخيه رابح رحمهم الله
وغيرهم الكثير في الحاره من الاشراف والمغامسه والرحله والاحامده
للاسف بعد الكاتب عن الحاره والسكن بعيدا جعله ينسى مافي الحاره من اناس وذكريات لاتنسى
ابدعت يا ابو محمد ..
الحاره من اكبرها الي اصغرها يستاهلون كل خير ..
اسأل الله لنا ولهم السعاده في الدنيا والاخره
أخي الفاضل أحمد.. ليتك لم تستعجل هذا ماذكرته في الجزء الثاني، مع التحية والتقدير.