المقالات

من الماء إلى الماء…

 

منطق الطير: ” ستكون مسؤولا وإلى الأبد عن كل شيء قمت بترويضه” – أنطوان دي سانت-أكزوبيري.

****

لو قدر للشاعر العربي الكبير “نزار قباني” -رحمه الله- أن يعيد كتابة قصيدته الشهيرة (قارئة الفنجان)  لكتب: (وطريقك يا ولدي مبلول.. مبلول!!)؛ فالوطن الكبير من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان.. من الماء إلى الماء، لم يعد مجرد وصف لحدوده المحاطة بالبحار الساحرة، بل غدت حقيقةً مضحكة مبكية، لتعثر المواطن في كل شبر من هذا الوطن الشاسع بالبرك والبحيرات وسيل الوديان و”الأنهار الصناعية العظيمة”!! بل الأعجب تشكل الينابيع والشلالات!!،  لا بشكل إبداعي مخطط له، يهدف إلى تحسين المنظور البصري للمدن والقرى، وإنما بشكل عشوائي يدل على منتهى التسيب والإهمال، وانعدام شبه كلي للتخطيط العمراني.

سأتجاوز مسألة نقد تلك الظاهرة المشتركة والتي أضحت سمة وحدوية جديدة تضاف إلى مقومات “الوحدة العربية”، وتشخيص الأسباب والمسببات، وتحميل الإخفاقات والمسؤوليات، وتقديم الحلول والتصورات، إلى التعليق على التعاطي مع الظاهرة والتفاعل معها في الشبكات الاجتماعية، والفضاءات التفاعلية، ممن يعتبرون أنفسهم “صفوة المجتمع، ونخبة النخبة”!!، حيث أختلط الجد بالهزل، بين رافض ومبرر ، وناقد ومنتقد، ومتشائم ومتفائل، ولكل الحق في التعبير عن وجهة نظره، اتفقنا أم اختلفنا معها، على أن يتسق ذلك الرأي مع قناعة صاحبه، ويثبت تجاه ذات الحدث مهما اختلف المتهم بالجرم والتقصير.

فمن العجيب أن ترى أحدهم وهو يدعي الموضوعية متأبطًا رمزيته الاعتبارية كشخصية عامة، يتقلب حسب هواه الأيدلوجي وميوله النرجسية فيرى تلك الشوارع الغارقة في بلد ما فتثور ثائرته مزبدًا ومرغدا، متباكيًا عن الضحايا والخسائر!! مطالبًا بالمحاسبة والقصاص، فتعجبك صراحته وتغريك شجاعته، حتى تكاد تفتن به، ما يلبث أن يتحول إلى مبرراتي يخبئ رأسه في التراب –وحاشا النعامة- وهو يحسر ثوبه أو بنطاله ويلج بركة الماء التي اقتحمت مكتبه أو سور بيته!!، بل ويزيد الطين بلة بالتغريد: ((الماء سر الوجود.. الشمس مشرقة والعصافير تزقزق))!!.

إن فساد المواقف لا يقل خطورة عن أي نوع من أنواع الفساد-وما أكثرها في عالم اليوم-، بل هو أشد وأخطر، وأعظم فساد المواقف الكيل بمكيالين! وعدم الصدق في النقد، وتجزئة الحقيقة حسب الأهواء والميول، والتدليس على عامة الناس بالكلام الحماسي الذي يوقظ جذوة الغضب دون أن يثير أسئلة الوعي، ذلك الوعي المغيب سبب كل الفساد، الفساد المادي، وفساد الذمم تجاه التعامل مع ظاهرة الفساد، وإشاعة سلوك التطبيل والتبرير، بدلاً عن ثقافة النقد والمحاسبة؛ إن إغراق العقول أخطر من إغراق الشوارع!!!

خبر الهدهد: نكز!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى