حين يعلن الشاب لأحد والديه أو إخوته عن رغبته في الزواج تكون الإجابة في الغالب:
– إنت يا ولدي سويت لينا شنو عشان تتزوج؟
– يا ولدي حججني أول بعدين اتزوج!
– إنت فاكر العرس ده لعب؟!
– إنت عندك شنو عشان تتزوج؟!
– يا ولد إنت متين كبرت عشان تتزوج؟!
فإذا استسلم لهم ولتثبيطاتهم، فقد يمكث عدة سنوات دون أن يتزوج ودون أن يلبي لهم طلباتهم. ولو فقهوا لتركوه يتزوج وأعانوه إحصاناً له من الفتن – وما أكثرها – ولتيسر أمر زواجه وكان الزواج سبباً في غناه وزيادة رزقه مصداقاً لقول الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32] وقوله عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف) رواه الترمذي (1655).
*****
وإذا استطاع الشاب إقناعهم وتخطى هذه العقبة الكؤود، فسيبدأ مسلسلٌ آخر لا يعلمه إلا الله تعالى، فتنهال عليه الطلبات من كل حدب وصوب، ابتداءً من الخطوبة وما تتطلبه من شبكة (خاتم وإسورة وسلسلة)، وربما جهاز جوال (جلاكسي) وبارد وحلوى، وربما حفل غنائي، وترحيل لمن يهمه الأمر ومن لا يهمه الأمر، من وإلى منزل المخطوبة! حتى يشفق الشاب من أمر الزواج ما دامت الخِطبة على هذه الشاكلة!
*****
وإذا أقبل على أمر (الشيلة) التي يُحدد فيها موعد الزواج، يطلبون منه أن يحضر لتجهيز العروس ستة من كل صنف من الملابس والثياب والأحذية، وأغلى أنواع الروائح والعطور،… الخ. ومن ثمَّ يذهب أهل العريس المرتقب بخيلهم ورجلهم وركابهم إلى أهل العروس المرتقبة محمَّلين بأغراض ومؤن تكفي لتزويج ثلاثة شباب على الأقل! لتُلقى مجمل التكاليف على عاتق الشاب المسكين!
*****
وإذا أقبل الشاب على أمر الزواج، حينئذٍ يبدأ المسلسل الأكبر، فعليه أن يقوم بدفع تكاليف ضيافة أهله وأقاربه الذين يحضرون قبل أسبوع على أقل تقدير، وأن يستجيب لاقتراحاتهم، خاصة النساء:
– عايزين تورتة لأهل العروس.
– عايزين نودِّي فواكه لأهل العروس.
– عايزين نبق وقنقليس ودوم.
– عايزين هدايا للنسوان الجابوا فطور العريس
– عايزين نغلِّف الهدايا ونزيِّن العربية…
– عايزين حق الكوافير والحنة للعروس وخمسة معاها!
– عايزين…
وفي ليلة العرس ينفق العريس ما بين يديه وما خلفه، ويستدين حتى يدفع ثمن سُرادق العُرْس أو إيجار النادي، وقيمة العشاء مع العصير والمياه لثمانمائة شخص أو يزيد، ومبلغاً مقدراً لأعضاء الشركة التي تقوم بتوزيع العشاء، إلى جانب المطرب والجوقة المرافقة له، وقيمة ترحيل ثلاثمائة أو أربعمائة من الرجال والنساء من وإلى مكان النادي، أو من وإلى منزل العروس.
ومن ثم يأتي دور طقوس ما يمى بالجرتق التي يرون أنه لا بد منها حتى لا يصاب العريس بالعقم، وما يصاحبها من بخور واجتماع النساء حول العروسين للتهنئة والتعليق!
فإذا انقضت تلك الليلة بعد مصافحة ومجاملة للمئات، ورقص، واختلاط، وغناء، وطرب، وتعب، وسهر، وفُرجة، وتعليق على العريس وعروسته؛ يقود العريس عروسته بخطوات متثاقلة إلى الشقة أو الفندق، ويصطدم بالواقع المرِّ بعد أن انفض الناس من حوله، فيتجرعَّ وحده الهموم والغموم،! ويذوب طعم الفرح حين يتذكر ديونه التي قد تظل ملازمة له أمداً بعيداً، ويتحسر على ما أنفق من أموال طائلة في أمور ثانوية أرضى بها أهله وأهل زوجته، كان يمكن أن تُوضع في مشروع يَدُرُّ عليه دخلاً كبيراً، أو كان يمكن أن يشتري بها ما يؤثث به بيت الزوجية الذي يفتقر إلى كثير من اللوازم والاحتياجات الضرورية!
والغريب في الأمر، أن التبذير والمغالاة والتفاخر والتباهي تطبق على كل شيء في العرس إلا على صداق المرأة التي يُدفع لمهرها مبلغ رمزي لا يتجاوز في كثير من الأحيان مائة جنيه! فإن كان هناك ثمة تقدير وتقييم حقيقي للمرأة لكان الأولى أن يُدفَع لها مبلغٌ موازٍ للمبلغ الذي يُدفع على العشاء أو النادي أو حتى على المطرب!
إن ما يحدث اليوم في مجتمعنا من تعقيد لأمر الزواج هو ما جعل كثيراً من الشباب يصدُّون عن الزواج، ويعزفون عنه بالكلية، أو يلجؤون للطريق الآخر، طريق الحرام. والواقع يؤكد أن الفتيات – ومن خلفهن الأسر – اللائي يكثرن الطلبات على المتقدم للزواج، يجعلن بنات جنسهن أول الضحايا لهذا التشديد والمغالاة حين يتقدم بهن العمر أو يتطلقن أو يتوفى عنهن أزواجهن دون أن يطرق باب بيتهن أحد! فأين هم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
إن زواجاً يُغالى فيه على هذا النحو حقيق بأن تُنزع عنه البركة، وأن يجافيه التوفيق، ولا أدلُّ على ذلك من كثرة حالات الطلاق التي تصل أحياناً إلى 30 أو 40% من عدد الزيجات؛ لأن البركة إنما تكون بالتيسير كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام حين قال: (أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة) رواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وحين شدَّد المجتمع على نفسه شدَّد الله عليه، فكثرت العوانس والمطلقات والأرامل اللائي لا يجدن من يطلب أيديهن للزواج، وحين صعُب الحلال لجأ الكثيرون إلى الحرام، فكان الناتج تفشي الأمراض المنقولة جنسياً وكثرة اللقطاء الذين ضجت بهم دار “المايقوما” لفاقدي الأبوين؛ ليذوق المجتمع الأمرَّين جراء ما اقترفته يداه، وكان هذا بمثابة “الفساد العريض” الذي حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم!
ما الذي يمنع أن نشجع أبناءنا وبناتنا على الزواج، بل ندفع لهم من جيوبنا إن أمكن حتى يَعُفُّوا أنفسهم في زمن كثرت فيه الفتن ودواعي الشهوات التي تؤز الشباب أزَّاً إلى الفاحشة، ما الذي يمنع أن يتزوجوا بالقليل دون مغالاة أو تبذير منبوذ ومخالفات شرعية؟! ما الذي يمنع أن يفرحوا فرحاً مباحاً، فيغني الجواري فيما بينهن إشهاراً للزواج وإظهاراً للفرح؟! ويولموا بما يستطيعون، دون تكلف، وقدوتنا في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يتزوَّج من النساء أو يزوِّج من البنات بأكثر من اثنتي عشرة أوقية، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه زوج رجلاً امرأة بما معه من القرآن، وروى الترمذي وصححه أن عمر رضي الله عنه قال: (لا تغلوا في صداق النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم).