في خضم الأحداث العربية المتسارعة الخطيرة، والتي تتسم بالتشرذم والانقسام والعنف والتغول العالمي والاستهداف للوطن وحدوده ورموزه، ومقدراته وكل شيء فيه . في هذه الفترة الزمنية الحرجة من التاريخ نتطلع إلى القلم الوطني، قلم اللحظة المعاصرة الذي لاينحاز لطائفة أومذهب أو فكر، ويكون انحيازه لهذا الوطن الكبير الملون بثقافات ملونة، والذي يسع الجميع كما وسع الإسلام جميع المذاهب والطوائف والأديان. قلم يفيض وطنية وحبًا وحرصًا عليه وأهله وذرات ترابه. يُشكل نسقًا منفتحًا بعقل مفتوح على كل الأفكار والألوان دون إقصاء أو استعداء سلطة أو مجتمع يجمع ولا يفرِّق يقرِّب ولايباعد، ينتقد بكل موضوعية وأدب لايقدح ولا يجرح بلسان عربي طاهرٍ ونقي بعطاء مستمر، وفكر مستنير متجاوزًا كل خلف وخلاف. لايرى نفعًا ولا فائدة لإثارة خلافاتٍ عفى عليهـا الزمن وإشكالات سوفسطائية، وجدل عقيم أو مسائل محل بحث ونظر واجتهاد وقضايا لاتغني ولا تسمن من جوع أو هي مجرد ترف فكري، ويمكن تجاوزهـا إلى ما هو أهم وأجدى للوطن ومصالحه من رؤى تعمِّق الهوة بين مثقفي الوطن ومفكريه في وقت أحوج ما نكون إلى جمع الكلمة واتحاد الرؤية . في زمن تعدد الثقافات وتنوع مصادرها وتلاقح الحضارات، وتبادل المعرفة فيهـا وعصر لايعترف بثقافة واحدة في ظل تقنية حديثة، وتجديد مستمر بسرعة ضوء كبرق. فلا يليق بمثقفٍ وطني أن يكون محصورًا في دائرة ضيقة لايعي مايدور حوله ومتوقفًا في عالم متحرك معروض في لوحة بحجم الكف . ما أحوجنا اليوم إلى قلم يؤرخ هذه اللحظة التاريخية الحاسمة التي يمر بهـا الوطن، ويخوض حرب وجود لاحرب حدود يعي فقه المرحلة وصعوبة الموقف وغموض المستقبل ووحدة المصير، وأن ضرر الكلمة قد يكون أشد من وقع السيف وأخطر من المفاعلات النووية. كلمة واحدة قد تهدم وطنًا بأكمله، وتخدم البعيد والعدو وتقصي القريب والصديق. قلم يشارك بثقة وقوة وثبات وكفاءة في معركة وطنية تحت راية القرآن الكريم الذي رسم معالم الحياة ومنهجهـا، وترك الباب مواربا لاجتهادات قلمٍ بفكر نير وحر ونزيه بعيدًا عن التفرقة والصراع والصراخ الذي لاوزن له ولا ثمن قلم ينأى بنفسه عن الاحتراب والاستقطاب لحزب أو تيار أو رؤى مجنِّحة لا تغني ولا تسمن من جوع، بل هي غذاء الأعداء وسمُّ الأصدقاء ولبنة بمسجد ضرار في عصر مشحون بالكذب والنفاق، ومرض التشفي والانتقام وتلفيق الاتهام. قلم وطني يتحرك متألقًا في إطار علمي وعقلاني يستحضر أمانة الكلمة وثقل المسؤولية والهوية الوطنية؛ حتى لا تكون فتنة بقطرة حبرٍ.
0