مرسى الكلمة
لم أكن أود أن يكون أول لقاء لي بقراء صحيفة “مكة” الإلكترونية بالحديث حول الاحتساب في معرض الكتاب الدولي بجدة وردة فعل المسؤولين والجمهور حيال ذلك، ولكن لابد مما ليس منه بد الحادث باختصار شديد هو أن الشاعرة أشجان هندي كانت تلقي قصيدة لها أمام جمهور غفير، وفوجئ الجمهور بأحد المحتسبين وهو يحاول منع الحدث أن يأخذ مكانه، ثم يقنعه المسؤول بالمغادرة ويغادر القاعة. وبعد قليل تدخل آخر ولكنه لجأ للجمهور وسأل إن كان يرضيهم ما يحدث فأجابوه بأنه يرضيهم، وطلب منه أحدهم أن يخرج وبالفعل التفت وخرج. هي لحظات فقط حتى انتشر مقطع الفيديو وقام البعض بعمل هاشتاق في التويتر لمناقشة الحدث. ردود الفعل تباينت بين التأييد والرفض، ولعلي أرى أن الطرفين على خطأ. كما ينبغي علي أن أطرح الرأي الذي أعتقده وأؤمن به شخصيًا؛ لكي تتضح الزاوية التي أنظر منها للحدث. لذلك أنا أعلن هنا أن وقوف أي سيدة أمام حشد من الرجال لإلقاء قصيدة هو تصرف خاطئ. قد تكون هذه الرؤية نتيجة العادات والتقاليد، وقد تكون نتيجة للبيئة الاجتماعية، وقد تكون نتيجة لرؤية دينية معينة، غير مهم، المهم أنها ما أراه وما أعتقده. ومع ذلك فهذا لا يمنع أن تكون هذه الرؤية خاطئة إذا نظرنا إليها من جانب آخر ومن زاوية أخرى نظر منها المنظمون للمعرض وأنشطته الثقافية. لذا وعلى افتراض صحة الحدث أو عدم صحته تبعًا لزاوية الرؤية التي تنظر منها إليه، فالاحتساب عليه بتلك الطريقة، وعلى الرغم من هدوئها وعدم إثارتها للبلبلة أو الشغب، هو عملية غير صحيحة وغير لائقة إطلاقًا. وتصرف المسؤول ثم الجمهور لا غبار عليه. ماذا لو تم تصعيد الموقف أو ردة الفعل؟ سيكون الخطأ مضاعفًا وهذا لم يحدث من المحتسبين مما يحسب لهم. الحقيقة أن عمليات الاحتساب في معارض الكتاب الدولية هي السبب الحقيقي والفعلي لمنع معارض الكتاب أن تكون في جدة والاكتفاء بها في الرياض فقط في السنوات الماضية. الاحتساب الذي كان يحدث سابقًا لم يكن حول الأنشطة الثقافية بل كان حول الكتب، ولم يكن يتم اتخاذ خطوة مباشرة، بل كان يتم مراجعة الكتاب وإعادة رقابته بطريقة أكثر دقة ثم يفسح أو يمنع، فإن تم فسحه على المحتسب أن يقدم تقريره عن ذلك الكتاب لمرجعه الذي يخاطب وزارة الثقافة والإعلام والتي ترد عليه بشكل رسمي مما يمنع الاحتكاك أو الصدام المباشر أو غير المباشر. إلا أن هذه الطريقة ورغم صحتها نظامًا لم تجد القبول لها عند البعض؛ لأن قرارات الفسح والمنع من اختصاص أناس يعرفون آلية التعامل مع الكلمة. هذا تسبب في حراك احتسابي مستمر أدى إلى إشغال أجهزة الدولة وعلمائها حتى صدر المنع من إقامته هنا والاكتفاء به في الرياض؛ حيث كانوا الأقدر على تنفيذ ما يريدون. وأتمنى في حال تكراره أن يتم إيقافه فورًا، فلسنا بالراغبين في خسارة تنظيم معارض الكتاب في جدة. ما كان يحدث سابقًا هو الأمر المحمود الذي أدعو إليه الآن. على المحتسب أن ينظر في الحدث الذي يراه منكرًا سواء كان مطبوعة مرئية أو مسموعة أو مقروؤة أو كان نشاطًا ثقافيًا من أي نوع ثم يخاطب مرجعه الإداري فورًا، والذي بدوره يخاطب الجهة المسؤولة مباشرة وتلقي الرد الفوري بالموافقة على الاحتساب وتنفيذ المطلوب أو رفضه. هكذا يستطيع الطرفان أن يحققا ما يريدان دون أن يظهرا بمظهر الإخوة الأعداء اللذان يحاولان الانتصار على بعضهما البعض دونما أي داعٍ لذلك.
أولاً تحية هائلة لكاتب المقال الذي أهنئ صحيفة مكة على استكتابه ضمن كوكبة كتابها الأكفاء، واعتبر هذه الاطلالة الجميلة للكاتب القدير الدكتور جمعان، بداية موفقة وحضور لافت.
ثانياً .. أتفق مع الكاتب الكريم في كل ما قاله، وتحديداً الخطأ الذي وقع فيه كلا الطرفين، وأؤكد أن المجتمع المحلي اليوم بات مدركاً لأهمية الوعي المتزن والعقلاني والمنطقي في مثل هذه القضايا الشائكة والمعقدة. وأتوقع أن كثير من شرائح مجتمعنا المحلي لا تقبل المزايدة أو التجاوز من أي طرف على حساب الآخر.
وأختم تعليقي بمثل ما قال الكاتب: يستطيع الطرفان أن يحققا ما يريدان دون أن يظهرا بمظهر الاخوة الأعداء .