المقالات

الإدارة بالتغريد..

منطق الطير: ”البيروقراطية آلية ضخمة يديرها أقزام” أونوريه دي بلزاك.

في السنة الأولى من دراستي الجامعية للقانون والإدارة صدمتني أستاذة القانون الإداري –أسعد الله قلبها- بمعلومة عددتها في ذلك الوقت غريبةً وشاذة تتعلق بـ”البيروقراطية”، إذْ لأول مرة أدرك معناها المفاهيمي الايجابي بعيدًا عن المفهوم السلبي المتداول، فهي بحسب ما تعرفها المعاجم مركبة من لفظين : الأول bureau وهي تعني مكتب والثاني cracy وهي مشتقة من الكلمة الإغريقية kratia ((κράτος)) ومعناها القوة، وهي تشكل في مجموعها (قوة المكتب) أو (سلطة المكتب)؛ فيما تعرف اصطلاحًا بأنها تنظيم السلطات والعلاقات في التنظيم الإداري وفق الأسلوب الهرمي لتحقيق أهداف المنظمة بأكبر قدر من الكفاية الإدارية والفاعلية. ذلك المفهوم الايجابي بدأ مع مرور الزمن ينزاح إلى الدائرة السلبية، وغدا مرادفًا لإعاقة مصلحة المواطن بدل خدمتها، فاتخذ من ذريعة تطبيق سلطة القانون وفق السلم الإداري، مبررًا لعرقلة السير الطبيعي لشؤون المواطنين وتعويم ثقافة البطء في أداء المهام والواجبات، وتأخير تنفيذ المشاريع، وتحول تلك القوة الممنوحة بعدالة القانون إلى تعسف في استخدام السلطة، ومرتعًا للشللية والنفوذ، وانتهت كما استشرفها (روبرت ميشيلز) إلى حكم الأقلية أو ما يعرف بـ”الأوليجاركية”. في عصر “ما وراء الافتراضية” وسطوة شبكات التواصل الاجتماعي بدأت كثير من المفاهيم في التلاشي، وبدأت انهيارات وانزياحات متسارعة وصادمة في كثير من السلط، فضعفت -على سبيل المثال لا الحصر- سيطرة السلطة السياسية، واهتزت السلطة المجتمعية، وغيرهما الكثير، ولكن السلطة الإدارية البيروقراطية بدت صلبة في مواجهة ذلك التلاشي في مفهوم (السلطة) في عوالم مفتوحة وحرة وسائبة، إن لم نقل أنها استعانت بأعطال التقانة وعدم التمكن من أدواتها لتكريس “البيروقراطية”. في مقابل تلك الصورة التي تبدو محبطة بدأت تتراءى بعض المشاهدات التي تبعث على التفاؤل، إذ يعمد بعض المسئولين الإداريين إلى تجاوز ذلك الروتين الممل والإجراءات المعقدة، بكسر الحواجز بينهم وبين المواطن من خلال التواصل الحر، والتغريد بالقرارات مباشرةً عبر وسائط الإعلام التفاعلي المتعددة، مما يحفزنا على التساؤل وبعيدًا عن تقييم وتقويم تلك التجارب المحدودة، ومقصديتها بين الصدق والدعاية، والتي لازالت تمارس حصرًا على مستوى القيادات العليا: هل مجابهة البيروقراطية المتأصلة سيكون بـ “الإدارة بالتغريد”؟!!. خبر الهدهد: جِدة كتاب..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى