بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية
أخط لكم هذه الحروف، وأنا أشعر كأنني استخدمت المؤشر( جهاز التحكم) واتجهت به نحو قلوبكم كما أفعل عند استخدام التلفاز؛ ﻷرى قلوبكم تسري بنهر من المشاعر الصادقة كما أعيشه اﻵن، نعم والله، إني ﻷكتب بصدق لما أكابده من مشاعر ما بين اﻷسى والحزن والألم و… لما تعانيه لغتنا الجميلة، لغة كتاب الله تعالى من إهمال وإقصاء وإبعاد وتنكيب وسخرية واتهام بالصعوبة والوعورة.
لماذا كل هذا؟ لماذا؟! وهي التي كم وكم ساندتنا في أصعب المواقف عندما نريد البوح بما ألم بنا من آهات، أو ما نحلم به من أمنيات، أو عندما نريد ملامسة قلوب أحبتنا، فإذا بها رقراقة تنساب بأرق الكلمات، وأعذب العبارات، وفي مواقف أخرى زاخرة قوية تغذينا بأساليب اﻹقناع لتلبسنا ثوب الحكمة الذي نعلم نحن في قرارة أنفسنا أنها السر الحقيقي الذي نسج لنا هذا الثوب، وعندما وعندما …
قد يقول أحدهم: ﻻ نجد هذا. وأرد: أنى لمن هجر البحر وسمع أنه مخيف وغدار أن يسحر به صفاءً وسعةً وعذوبةً؟! وكأن التاريخ يعيد نفسه حين اتهمت سابقًا بالضعف وعدم القدرة على مسايرة العصر، فهب أبناؤها لنصرتها، ومن ذلك قصيدة حافظ إبراهيم:
وسعت كتـاب الله لفظًـا وغايـةً ** ومــا ضقت عــن آي بـــه وعظات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن ** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
ثم إن اللغة والتعلق واﻻعتزاز بها ليس من نافلة القول، ﻻ سيما إذا كانت لغة مقدسة، لغة أهل الجنة الكرام.
لتنظروا أحبتي شرقًا وغربًا، تجد الشعوب على اختلافها تفخر بلغاتها، هلا نظرت إلى الفرنسيين وإكبارهم للغتهم؟ أم نظرت للأتراك وتفانيهم في لغتهم؟ اﻵن التفت قليلًا إلى الشرق وقل: أنا من قاطني الخليج العربي. سيجن جنون اﻹيراني ويقول: ﻻ، بل الخليج الفارسي. محاولة منه لهيمنة لغته على كل شيء.
وحدث وﻻ حرج عن المهتمين بأمر اللغة البريطانية حتى في بلاد المغرب العربي، فهناك محاولة ﻹيجاد مكان لها منافسة للفرنسية بعد أن اكتسحت العالم بعد جهد جهيد، وﻻ شك أن من جد وجد، وﻻ يعني هذا عدم تعلم اللغات، فمن تعلم لغة قوم أمن مكرهم، ولكن المأخذ على الهيام الشديد وإقصاء لغتنا حتى في أخص الخصوصيات في التوقيع، بل وصل ذلك ﻷطفال الصفوف الدنيا، يرسم في كراسته أول حرف ﻻسمه باللغة اﻹنجليزية، وقد شاع بين الناشئة أن ذلك أجمل، وأين هم من جماليات الخط العربي وفنونه؟
وبين هذا الليل البهيم والتصحر اللغوي هناك إضاءات مشرقة من اﻷمل، ومن ذلك من ﻻ يتحدث إﻻ بلغة كتاب الله حتى في اﻷمور التي اعتدناها، مثل استبدال كلمة (ألو) في المحادثة الهاتفية بكلمة مرحبًا اعتزازًا، وقبل ذلك تقربًا إلى الله تعالى؛ ﻷن ابن القيم – رحمه الله تعالى- قال:” من تحدث بلغة العدو لغير الضرورة فقد نافق.”
وقد مر بي موقف ﻻ أنساه، إذ ذكرت لي عجوز مغاربية أنها تستطيع قراءة ما كتب على عبوة بالفرنسية، لكنها تجنبت ذلك؛ لعدم وجود ضرورة.
وهناك من معلمي ومعلمات اللغة اﻹنجليزية من هم مفخرة في هذا اﻷمر؛ كون الناشئة يكبرون ذلك منهم، بمناداتهم بعدم استخدام غير العربية إﻻ للضرورة، فمن ضيع لغة آبائه وأجداده فهو لغيرها أضيع.
وحتى ﻻ تكون قراءتنا لهذه السطور قراءةً عابرةً، ومشاعرنا هزيلةً ضعيفةً تسحق في طاحونة الحياة، وتدفن تحت صخور المشاغل التي ﻻ تنتهي، ولنكون جادين مع أنفسنا متقربين إلى الله بتعلم لغة كتابنا، لنقم بهذه التجربة ثلاثية الخطوات { التنقية، التركيز، القمة}
التنقية: وذلك بتنقية لسانك من الكلمات غير العربية، مثل: مول، أوكي… وغيرها، واستبدالها بكلمات سوق، نعم، طيب، حسن، من عيوني، على هذا اﻷفطس.
وقد يظن أن اﻷخيرتين غير عربية، فقد استخدم الجمع بدل المثنى، فلا بأس، وكلمة أفطس عربية.
الحمد لله، لسانك اﻵن نظيف من أي كلمات غير عربية، وقد ذكرتني بقصة المرأة التي ﻻ تنطق إﻻ بالقرآن الكريم.
الخطوة الثانية: ركز في كل ما تقرأ وتسمع؛ لتميز بين الجملة اﻻسمية والفعلية، فإذا كانت اسمية( بدأت باسم) فهذا مبتدأ، فابحث عن الخبر، وهو الذي يتم به المعنى، وإذا كانت الجملة فعلية( بدأت بفعل) فلا بد لها من فاعل، أﻻ تعرف المبتدأ أوالخبر والفعل والفاعل؟!
واﻵن أعطني يدك لنصعد إلى القمة، إلى قمة القمم، ليست قمة إفرست التي بالهند، بل القمة التي تتقازم تحتها إفرست واﻷرض والكواكب والنجوم، إلى اﻷعلى حيث تتصل اﻷرض بالسماء، إلى حبل الله المتين، وقرآنه المبين، لتستمع لكتاب الله، وتميز بين اﻻسمية والفعلية، ونحن في السيارة، في المنزل، عندما نضع التلفاز على صلاتي المغرب والعشاء، عندما نفتح الجوال نبدأ بهذا التمرين قراءةً أو سماعًا ولو لجملة أو جملتين، فربما تكون هذه اﻷذن سببًا في نجاتنا وفوزنا، وإن كنا نستمع بها إلى الخزي والعار، ومن يدري، قد نكون ممن خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم.
وبعد هذه التجربة تستحق استراحة، فلتجلس على أريكتك، أو في حجرتك، ولتتصفح هذه القصص ( هل أنا أمها أم أبوها؟! ) لتعيش معها المواقف الشبابية بطيشها وجنونها وطموحها وأحلامها، وقد تتخللها بعض القواعد النحوية مساهمة في وضع لبنة من لبنات لغتنا، ولنتكاتف معًا ﻹعلاء صرحها، صرح عزنا ومجدنا وفخرنا، صرح حبنا وآمالنا وسعادتنا، صرح لغتنا الجميلة.
وإن غدًا لناظره قريب.
بقلم.. زين الزين