عبدالرزاق حسنين

محطات الوقود..والضمير الغائب

أستأذنك عزيزي القارئ لمصاحبتي في رحلتين ، الأولى داخل المدينة والثانية على طرقاتنا السريعة بين المدن ، ولتكن رحلتنا هذه المرة على السيارة وقد طال إنتظارنا للنقل العام الذي أصبح وأمسى من الضرورات الملحة في ظل الزحام الذي يلاحقنا على الشوارع والطرقات والكثافة المتزايدة للمركبات بجميع فئاتها ، إذ الآمال معقودة لإنهاء معضلة القطارات التي أيضاً طال إنتظارها لتكون حلماً وآعداً للحاضر والأجيال القادمة من بعدنا ، وقد بانت بوادرها بمشيئة الله ، ولتكن رحلتنا بالسيارة يجب علينا الحذر من بعض محطات الوقود إن لم يكن جلّها بعد غياب ضميرها المتصل منه والمنفصل ، إذ انتشرت في السنوات الأخيرة وسائل وطرق لخلط البنزين بنوعيه “الأخضر والأحمر” بمواد تزيد من كميته وبالتالي تزيد من الربح لصاحب محطة الوقود ، بلا مبالاة من الضرر الذي يلحق بعزيزي المستهلك “بفتح اللام” ، وهذا ما تداولته وسائل التواصل بالصوت والصورة لسيارات تعطلت بمجرد تعبئتها للوقود ، بما يعني حتمية وجود القرائن المثبتة التي تدينهم ، وبجهود شخصية لمواطنين عرضوا عينات من البنزين في قوارير شفافة ليبرهنوا للمسؤول الحاضر الغائب في وزارة التجارة بثبوت حالات الغش التي تكررت وذاع صيتها في إنتظار الحسم ، بإنزال العقوبات الحازمة بدءا بالإغلاق وإصلاح الضرر وتعويض المتضررين ، إضافة إلى التشهير بتلك المحطات على الصحف المحلية ليعتبر أولئك الآخرين غائبي الضمير ، الذين تنادي خزائن نقودهم : هل من مزيد حتى تضخمت أرصدة حساباتهم ، وإن كنت أشك في أن يكون أصحاب تلك المحطات مواطنين إن لم يكونوا متسترين على هؤلاء الوافدين العاملين فيها ، ولتبطل المقولة المتداولة قديماً: “من أمن العقوبة أساء الأدب” صار لزاماً على الجهات الرقابية في وزارة التجارة والبلديات القيام بدورها لمحاربة الغش لينعم عزيزي المستهلك “بكسر اللام” بما لا يعكر صفو ميزانية جيبه في إصلاح ما أتلفه من لا ضمير عنده , ومن الحلول الجادة لمحاربة ذلك الجشع البغيض أرى ضرورة إلزام محطات الوقود بإبدال الأنابيب “الليات” السوداء بأخرى شفافة يستطيع السائق من خلالها معرفة لون البنزين الذي يتم تزويد سيارته به ، وإن كنت أجزم بأن من عشق الغش يستطيع أن يحتال بطريقة أو بأخرى في ظل غياب الوازع الديني والضمير ، إضافة إلى ندرة جولات فرق وزارة التجارة المسؤولة عن حماية المستهلك من هؤلاء وهؤلاء ، وبالنظر إلى مضخات البنزين القديمة والمتهالكة وبلا إضاءة تظهر أرقام العداد الصغيرة جداً التي تحتاج إلى أن يستخدم الواحد منّا عدسات مكبرة لقراءتها ، بما يذكرنا بالماضي الجميل لمحطات المحروقات على طرقاتنا القديمة ، ولأكن منصفاً فقد عملت بعض المحطات على إبدالها بمضخات إلكترونية حديثة كبيرة ولكن بأعداد قليلة جداً.. ! ولا يفوتني أن أسرد ما لحق بسيارتي من ضرر ، وبعد فحصها في الوكالة في محافظة جدة أكد لي الفني وجود نسبة من الماء في الوقود مشيراً بيده إلي مجموعة من السيارات متعطلة لديهم تشكي نفس الضرر ، وليتني عرفت المتسبب في ذلك ، ولكنني تعلمت درساً مفاده: “البنزين من عنوانه” والحرص على إختيار محطات وقود محددة حريصة على سمعتها التجارية ، وبالتالي تقديم خدمة أفضل للعميل.. أما الرحلة الثانية على طرقاتنا بين المدن ، وقد كثرت الشكاوى من تدني مستوى خدمات المحطات والإستراحات التابعة لها ، إذ ندر أن تجد لها وصفاً يليق بالمستوى الحضاري الذي يعيشه وطننا ، الذي يقصده الزائرون على مدار العام حجاج وزوار ومعتمرين وفيهم النساء اللآتي لهن خصوصيات يحضنا ديننا الحنيف على مراعاتها ، والحاجة ماسة لوقفة حازمة تعيد بنا الذكريات إلى ما قامت به إمارة مكة المكرمة ممثلة في مستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل والقرار الصارم لتحسين تلك المحطات على طريق جدة مكة ، التي أغلقت حتى تم إزالة جميع السلبيات والإرتقاء بمجمل خدماتها التجارية والمساجد الملحقة بها ، بما لا يغيب الدور المأمول في هيئة السياحة والآثار التي تسعى جاهدة لتشجيع السياحة في ربوع بلادي وإستثمار التراث التأريخي الذي تذخر به والمناخات المتعددة في جنوب البلاد وشمالها والشواطئ الآمنة في شرقها وغربها ، ولوزارة النقل الدور الهام في تشديد الإشتراطات اللآزمة لمنح تصاريح محطات الوقود وملحقاتها من المساجد والإستراحات الفندقية والمطاعم على الطرقات السريعة ، بما يتناسب والقفزة الحضارية المعاصرة التي تعيشها مملكتنا الحبيبة المترامية الأطراف ، وختاماً لا بد من تضافر جهود جميع الجهات المعنية لنقول: نعم للسياحة الداخلية..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى