المقالات

علامة انقراض علّامة العِلّامة  !

 والعِلّامة سيداتي وسادتي هي موجز الأخبار قديما، حينما يلتقي أفراد قريتين أو قبيلتين، في مناسبات زواج أو إصلاح ذات البين، أو عزاء، فيتولّى كبير إحدى الطائفتين موجز الأخبار، بإعطاء ملخص، بعد حمد الله والصلاة على رسوله، عما شاهدوه أو سمعوه أو عايشوه، وغالبا مايكون فيها: “الأعلام واحدة، والأرض غُبرة ومن الله الشُّبرة”، أي يرجون من الله الغوث، في حالة عدم نزول مطر، ثم يستمر في نقل الأحوال الجوية، والأحداث الاجتماعية، والفعاليات والأحداث والمناسبات المهمة التي حدثت في قريتهم أو قبيلتهم، وربما يكون هذا الشخص “عريفة القرية” أو شيخ القبيلة، أو أحد “الموامين”، أي أمناء مجلس القرية/ القبيلة، وهو المتحدث الرسمي.. وبعد نهاية “عِلّامته” يتولى شخص آخر من القرية الأخرى الردّ عليه بذات الأسلوب، والسجع في الكلمات، والمحتوى. * وقد يقوم بالعِلّامة ربّ الأسرة، وذلك حينما يعود من سفر طويل لطلب الرزق، فيروي لزوجته وأبنائه مامرّ به في رحلته من مصاعب، ولربّما أهوال، وما شاهده أو سمعه من أحداث غريبة وكبيرة، مما يجعل أسرته في شوق لقدومه والسماع منه، كونه وسيلة إعلام بشرية صادقة تنقل الأحداث والأخبار بكل تشويق ومصداقية. هذا في الزمن الغابر، فكيف قُضي على “علّامة” “العِلّامة” في زمننا، وما هي علامة ذلك؟! * أردت إنعاش هذا الإرث التراثي الشعبي في زمننا، بعد عودتي من سفر طويل خارج الوطن، إذْ قضيت أياما ليست بالقصيرة بعيدا عنهم، وفي أرض تفصلني عن موطني آلاف الأميال، من البحار واليابسة والمحيطات، فوُئدتْ فكرتي وهي لازالت في مهدها “الدماغي”، حينما وجدت أن ابني الصغير يعلم أشياء لاأعلمها، ربما، من خلال جهازه ! ووجدت “الواتسأب” وقد تكفل بنقل الأحداث والأخبار لأسرتي، وبسرعة هي أعلى من سرعة الضوء، بل وجدت تكرار ذلك في كل “القروبات” وبصورة رتيبة مملّة ! ومالم ينقله “الواتس” تكفل بنقله “تويتر” وأصدقاؤه “انستغرام” و “فيسبوك”، وغالبيتها إشاعات واهية، وأخبار شخصية واهنة ! * مات الشوق للقاء المسافر والمغترب، وانقرضتْ عِلّامة القرى والقبائل، وأصبحت لقاءاتهم محصورة في شاشات كل واحد منهم، ولم يعد العالم “قرية” واحدة كما كان يُقال، بل غرفة صغيرة واحدة يعيش فيها كل العالم، شاء ذلك من شاء، وأبى من أبى ! * حسنا ياقوم “الأرض غُبرة، ومن الله الشُّبرة” !

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى