المقالات

جِدة كتاب

لُجة الأيقونات

منطق الطير: “التعليم أنتج قطاعات عريضة من البشر قادرة على القراءة، ولكنها غير قادرة على تمييز ما يستحق القراءة” – جورج تريفيليان.

“جِدة غير” هكذا يقول أهل جدة بافتخار، وهم يتدثرون رائحة البخور ومواويل البحارة وحداء قوافل الحجيج.. جِدة (بالكسر) تيمننًا بـ”جِدة بن جرم بن ريان” شيخ قبيلة قضاعة العربية أول القبائل التي سكنت عروس البحر الأحمر، فيما يرى البعض أنها جُدة (بالضم) والتي تعني في المعجم شاطئ البحر كما ذكرها “ياقوت الحموي” في كتابه الشهير (معجم البلدان)، والبعض الآخر يراها جَدة (بالفتح) نسبةً لأمنا حواء التي دفنت فيها بعد تيه الهبوط إلى الأرض؛ ولعل أهل (جدة) أدرى بتشكيل جيمها.

جِدة المدينة الساحلية التي احتضنت في الأسبوعين الماضيين معرضًا دوليًا للكتاب، تُعيد طرح بعض غواية الأسئلة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، وتُثير تساؤلات المهتمين بعالم القراءة والنشر، وجدلية “المركز والهامش”، ومسألة حظوة العواصم في احتضان دائمٍ للفعاليات الثقافية الكبرى، بما فيها معرض الكتاب الدولي، وتتجاوزها لأسئلة المقروئية والفعل القرائي وحضور الكتاب الورقي في زمن مصادر المعرفة المفتوحة، والحوامل الإلكترونية داخل الفضاء السيبراني. بل لعلها تتجاوز كل ذلك الصراع الشكلاني حول وسيط المعرفة وحاملها -وسط سحر البحر وفضاءاته الممتدة- إلى فاعلية القراءة في تشكيل الوعي الذاتي والجمعي، ودور القراءة في تكوين الشخصية المبدعة، وفتح آفاق التفكر والتأمل والإسهام في إحداث الطفرة النهضوية، وتجاوز المأزق الحضاري؛ القراءة بوسمها فعلاً واعيًا لا مجرد “بريستيج” اجتماعي، والفعل القرائي كمحرك رئيس نحو تغيير الذهنيات والسلوكيات، ومحفزًا لمزيد من التصالح مع الذات والانفتاح على الآخر.

إذًا وبعيدًا عن إشكالية ضبط “الجيم” في مسمى المدينة، فإن معرض جدة الدولي للكتاب إذ تجاوزنا منطق حركية “البيع والشراء”، وجدل الفعاليات المصاحبة، يرجح حركة (الكسرة)، فما أحوجنا لـ”جِدة” في التعاطي مع الفعل القرائي، وجِدة في السلوك الثقافي؛ بحيث تغدو القراءة حدثًا مشاعًا تتجاوز الأمكنة والتصنيفات والحوامل، وتتحول لممارسة (معرفية/ حضارية) منتجة.

خبر الهدهد: ذاكرة موازية..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اهم ما يميز المعرض هو انه يضع المثقفين في مواجهة مستجدات النتاج الفكري و يفتح مجالات للنقاشات و الموضوعات
    تحريك الراكد الفكري هو ما نحتاجه اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى