لا يختلف إثنان إن وسائل التواصل المعاصرة تعتبر من ضرورات العصر التقني الذي نعيشه ، وقد جعلت من العالم الشاسع قرية صغيرة يشاع فيه الخبر بالصوت والصورة في ثوان معدودات ، وهي بلا شك سلاح ذو حدين إذ استفاد منها العالم بنشر العلم وتبادل المعرفة والثقافات بين الشعوب قد ساهمت في نشر الكتب والصحف المحلية وطباعتها دولياً بأقل تكلفة وجهد ، وفي الجانب الآخر تعتبر داء مزمن فتك ودمّر العلاقات الأسرية ولغى التواصل الإجتماعي الذي أوصانا به ديننا الإسلامي الحنيف ، بعد أن اكتفى معظمنا بتبادل التهاني بين الأهل والأرحام في جميع المناسبات الدينية والدنيوية بتلك الرسائل المقروءة والمسموعة ، ولا غرابة إن قلت إن البعض صار يكتفي بالتواصل مع والديه بتلك الوسائط السهلة المنال ، وفي ذلك من وجهة نظري نذير قطيعة رحم مبطّنة وعقوق خفي للوالدين اللذين أمرنا الله بالإحسان إليهما وملاطفتهما بالقول والعمل ، ومن سلبيات التقنية المعاصرة التي تعددت وتشعبت مسمياتها “سناب تشات ، إنستقرام ، واتس اب ، و..” ما نلاحظه من التفكك الأسري الذي يعيشه مجتمعنا بعد أن صار بعض أفراد الأسرة غرباء تجمعهم جدران منزل أو شقة واحدة ، وليس أدل على ذلك كثرة القضايا العائلية التي أشغلت المحاكم الشرعية بقضايا يغلب عليها الطلاق إن لم يسبقه عنف جسدي نتج عن إنشغال الجميع بهاتفه الجوال أو حاسوبه الشخصي ، الذي ندر أن يفارق مستخدميه حتى أصبح وأمسى إدماناً أدخل في الأنفس الشكوك الناتجة عن الغيرة المفرطة ، بل وإنشغال بعض نسائنا بها عن واجباتهن المنزلية ورعاية أطفالهن الدراسية وغيرها ، والحاجة ماسة إلى علاج يشترك فيه الطب النفسي والمجتمع بما فيه من مفكرين وأدباء بعد أن استفحل إستخدامها في المجتمع بفئاته القروية منها والمدنية ، حتى أشغلتنا عن حياتنا الدينية والدنيوية وهنا بيت القصيد ، بعد أن لازمتنا تلك الأجهزة النقالة صباح مساء حتى صارت ملاصقة لوسائد نومنا ، وقد شاع إستخدامها في فصولنا الدراسية وقاعات الجامعات من طلبة العلم والمعلمين والمعلمات على حد سواء ، نتج عنه من وجهة نظري تدني المستوى العلمي في بعض مخرجات التعليم التي دفعت الجهات المسؤولة في التربية والتعليم إلى إستحداث إختبارات قياس لقدرات الخريجين والخريجات ، إضافة إلى مخالفة إستخدامها إثناء قيادة المركبات وما يسببه من مخاطر في الأرواح والممتلكات ، ومما زاد الطين بلة أن تمادى البعض بنشر كل أخباره المعيشية حلوها ومرّها على تلك الوسائط حتى صارت سلعة رخيصة يتداولها العامة في مجتمعنا والمجتمعات الأخرى القريبة والبعيدة ، وقد استغلها الحاقدون على أمتنا الإسلامية بالنشر والتشهير بمحارمنا وعوراتنا ، ولا ألومهم بعد أن فرط بعضنا بالتعاليم الدينية التي تحثنا على الستر وإتقاء الحسد بعدم إظهار أفراحنا وأتراحنا حفاظاً على خصوصيات الأسرة ، وقد تجاوز البعض بتصوير أطباق مأكولاتهم ومشروباتهم ونشرها على العامة والخاصة ، وقد ضاقت بكل تلك المشاهد قنوات اليوتيوب التي استحلها هؤلاء وحرفوها بما يتناسب وأهوائهم الشيطانية التي يستدرجون بها الأعراض وبأرخص الأثمان ، وإن تحدثنا عن الإشاعة ، فبعض مستخدمي وسائل التواصل وبكل أسف يتداولون كل ما يصلهم من وثائق ورسائل ، ويرسلونها لغيرهم “نسخ ولصق” دون أن يتأكدوا من صحة المعلومات التي وصلت إليهم ، وقد يكون بعضها يستهدف تماسك هذه البلاد وشبابها ، بما يخدم فئات ضالة وجدت من هذه الوسيلة طريقة شيطانية سهلة للتغرير ونشر الأفكار المفسدة ، والحديث يطول أختتمه معكم بالابتهال إلى الله بأن يحفظ علينا ديننا ووطننا حكومة وشعباً..
0