المقالات

الدبس والجذور

 

الدبس (د ب س) : الدَّبْسُ بالدال المفتوحة والباء السكنة عند العرب، الأَسْوَدُ من كل شيء ! وادْباسَّتِ الأَرضُ: اختلط سوادُها بخُضْرَتها.

وقال أَبو حنيفة: أَدْبَسَت الأَرض رؤي أَول سواد نبتها، فهي مُدْبِسَةٌ.

والأَدْبَسُ من الطير والخيل: الذي لونه بين السواد والحمرة، وقد ادْبَسَّ ادْبِساساً.

والدُّبْسَةُ حُمْرَةٌ مُشْرَبَةٌ سواداً، وقد ادْباسَّ وهو أَدْبَسُ، يكون في الشاء والخيل.

والدِّبْسُ والدِّبِسُ: عَسَلُ التمر وعُصارته، وقال أَبو حنيفة: هو عُصارة الرُّطَب من غير طبخ، وقيل: هو ما يسيل من الرطب.

والدَّبُوسُ: خُلاصة التمر تلقى في السمن مطيبة للسمن.

وجاء في العباب الزاخر: قال ابن دريد: الدِّبْسُ: عسل التمر؛ معروف، يقال: دِبْسٌ ودِبِسٌ، ويسمِّيه أهل المدينة على ساكنيها السلام-: الصَّقْر. قال: وربَّما سُمِّيَ عسل النحل دِبِساً -بكسر الدال والباء-، قال أبو زُبَيد حرملة بن المنذر الطائيّ:

 

فَنُهزَةٌ مَنْ لَقُوا حَـسْـبَـتُـهُـم***أحلى وأشْهى من بارِدِ الدَّبِـسِ

وقال الجوهري في الصحاح:

الدبسُ: ما يسيل من الرُطَب.

والأَدْبَسُ من الطير والخَيل: الذي لونه بين السواد والحُمْرة.

وقد ادْبَسَّ ادْبِساساً.

والدُبْسيُّ طائرٌ وهو منسوب إلى طَيرٍ دُبْسٍ، ويقال إلى دِبْسِ الرُطَب.

وأَدْبَسَتِ الأرضُ فهي مُدْبِسَةٌ، وذلك أوَلَ ما يُرى فيها سواد النبت.

والدَبِساءُ، ممدودٌ: الأنثى من الجراد.

وقال ابن فارس في مقاييس اللغة:

 الدال والباء والسين أصلٌ يدلٌ على عُصارةٍ في لونٍ ليس بناصع. من ذلك الدِّبس، وهو الصَّقْر. وابن فارس قد أعنت الباحث بقوله: (لون ليس بناصع)، وإنما كان يجدر به أن يقول: لون أسود محمرّ، أو لون أحمر مسودّ. وهو الأصل الجذوري للدبس (د ب س)!

ونجد من المعجمييّن الفيروزابادي قد ميَّــز بين جذرين متماكبين، فقال:

الدِّبْسُ، بالكسر وبكسرتَيْنِ (دِبِس): عَسَلُ التَّمْرِ، وعَسَلُ النَّحْلِ، وبالفتحِ (دَبْس): الأسْوَدُ من كلِّ شيءٍ، وبالكسر: الجَمْعُ الكثيرُ من الناسِ.

والدبس يحضر في الأمس واليوم من التمر، وكنا نسميه (دبس العفين) ومن التين والعنب، ويحضَّــر من الخوخ والرمّان والخروب ومن قصب السّـكَّـر، والأخير يسميه المصريون بالعسل الأسود تمييزا عن عسل النحل أو عسل النخيل (التمر)، فالأجداد عرفوا عسل النحل وعسل النخل، وعسل العنب والزبيب وغيره !!

وإنْ أنسَ لا أنسَ عملية تحضير دبس العنب في مرابع طفولتي على سفوح جبل الشيخ (سِـنِّـيـر/ الحرمون) في بلدة جباثا الخشب، وكانت المعصرة بجانب بيتنا، وكنت أرقب الشباب ومعهم أخوالي يستعدون للعصر فيغسلون أرجلهم جيدا ويقيمون الدبكة فوق أكوام العنب فتنزل عصارته إلى بئر مُعَـدٍّ لذلك ثم ينقل إلى حلة كبيرة توقد تحتها النيران بخشب السنديان.

ولا يزالون يغلونه حتى يعقد ثم يضربونه بأعواد الرمان والتين ليتكاثف أكثر ويشتدّ قوامه، ثم استعاضوا عن الرمان والتين بأعواد نباتٍ عشبي شوكي ينبت في جبل الشيخ يسمى (الشنديب)(1)، وهذه العملية (تحريك الدبس المغلي) بأعواد معينة تسمى المسطار (2)!

والشنديب أفضل من أعواد الرمان والتين التي تميل بطعم الدبس الى المرارة، أما الشنديب فيعطيه نكهة أحلى وأجمل ويساعد على التخزين والقوام السميك!

وسبحان الله نلاحظ أن عناصر البيئة الواحدة تتضافر مع بعضها:

العنب وخشب الوقود من سنديان وبطم، وأعواد المسطار (رمان وتين وشنديب) كلها نتاج بيئة واحدة هي سفوح جبل الحرمون بين لبنان وسورية.

ويتفاعل الإنسان نفسه مع هذه البيئة الكريمة المعطاء، فيعتمد في غذائه على ما تنتجه بيئته من غذاء.

فالدبس سيد المائدة الحرمونية (الجبثانية) وهو مادة سكرية غنية جدا بالجلوكوز وتشبع الجسم بالطاقة التي يحتاجها في منطقة باردة من أشد مناطق بلاد الشام برودة وصقيعا على الاطلاق.

وبمناسبة الحديث عن الدبس والبيئة تحضرني بعض الاكلات المحضرة بواسطة الدبس، غير الدبس نفسه مثل:

*(الإنقينار): وهو الشاي المحلى بالدبس يبعث الدفء بالأجسام أيام البرد.

*(المقسمة): خلط الثلج بالدبس المبرغل.

*(كباب الدبس): يعجن الطحين بالدبس ويصنع منه كرات تقلى بالسمن العربي حتى تحمّر اول توضع بالسمن أثناء تحضيره وتكريره فيكون لها دوران _امتصاص الشوائب وبقايا اللبن من السمن_.

 

وأخيرا:

ما وجه المشاكلة بين ( الدبس) و( الدبوس)؟

والجواب أن المشاكلة بينهما وهمية، أو متوهّمة ، فكلمة الدبوس ليس عربية ، لا هي ولا التدبيس والدبّـاس وما دار في فلكها من مفردات مكتبية يعرفها المكتبيون ، إذ أنَّ الدبوس غير عربية ، بل هي فارسية ، وأصلها من المفردة( دوبوس أو دوبوز) بالمعنى القريب من الإبرة( 3).

دبوس إذن لفظ معرب اشتق العرب منه الدباسة وعملية التدبيس وهي ربط حزمة الأوراق ببعضها باستخدام الدبوس أو الدبّــاســة ، آلة الربط بالدبابيس.

 

_حاشية:

(1)-ومن المميزات المهمة لجبل الشيخ أنه صيدلية طبيعية تحوي أصنافاً نادرة من الاعشاب تزيد على ال 70 صنفاً لا مثيل لها في مناطق أخرى. وفي مقدمها نبات شرش الزلوع الذي يرفد الجسم بالقوة والمناعة الجسدية والجنسية. وهناك نعنع الجبل، الزوفا ، الحلبلاب ، الشنديب الذي يتغذى من زهره النحل فيعطي أفضل أنواع العسل وأطيبها مذاقاً، ونبتة الحمحمة (لسان الثور) التي تنمو على جوانب الثلوج الذائبة، والقريشي، الى بعض الاشجار المختلفة الاسماء والأنواع.

 (2)- المسطار بالأصل تعني الشراب المائل طعمه للحموضة .

(3)-موسوعة حلب المقارنة: خير الدين الأسدي ج4 /24

 

د. محمد فتحي الحريري

باحث في شؤون اللغة والاسرة وعلم التربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى