إيوان مكةخواطر قاري

رَفْعُ الحِجَاب عن الكُتَّابِ الشباب

       أصبحتْ ظاهرةً مُلْفِتةً في السنوات الأخيرة ما تضخُّهُ المكتباتُ من نتاج الشباب الذين تجرّؤوا وخاضُوا تجربةَ الكِتابة عبرَ قوالبَ متعددة ، وزاحمُوا فيها بالرُّكَب – انتشاراً – كبارَ الكتّاب من أدباء ونقّاد ومثقفين لهم الباعُ الطويل في ساحة النشر والتأليف بالمجتمع الثقافي .

       فلم تعُد الكتابة – في هذا الواقع – حِكْراً على النُّخْبةِ وأصبحتْ مُشاعَةً لكل من امتلكَ فِكرةً للتعبير عنها على الورق بشكلٍ ما … تقولُ الكاتبة الكندية “ناديج ديفو” : “الكتابة ليست وَقفاً على نخبةٍ مدجّجة بالشهائد ؛ فقلّما تحفُلُ بالمنزلة الاجتماعية والمستوى الدراسي لأيّ كاتب ، ولا عبرة إلا بعشق الكلمات والشغف والرغبة في التعبير والأناة” .

       وقد خدَمَ تميُّزَ تلك الظاهرة الكتابية الشبابيّة اتصالُها بوسائل حديثة في النشر والترويج عبر وسائط التواصل الاجتماعي والكتاب الإلكتروني ، إضافة إلى تبني دُور نشر شابة لتلك الأقلام الشابة !

       فإذا نظرنا إلى النسبة الأعْلى لتعداد سكان المملكة وهم الشباب ، وعلِمنا بأنّهم – تقريباً – جميعهم يتعاطون صفحات التواصل الاجتماعي التي باتتْ ذات قيمة ملياريّة في السوق العالمية ؛ أيقنّا أثر استثمار هذه الوسائط في الوصول إليهم وتسويق أيّ شيء لديهم ! فقد لاحظتُ – بحكم عملي بالتعليم الثانوي – في السنوات الثلاث الأخيرة توجّه شبابٍ صغار نحو قراء الرواية التي تُسوّق عبر مواقع التواصل تحديداً !

       ولا يعيبُ الكتاب تسويقه بين فئات المجتمع ، ولعله أرفع وأنفع غايات التسويق أن تكون القراءة والكتاب هدفاً في هذا المجال ، ولكن بيت القصيد هنا هو اختلاط الغثّ بالسمين في هذا السوق الذي يغلب عليه الطابع التجاري ؛ مما يستدعي هنا حراكاً نقديّاً موضوعياً يواكبُ حراك النشر ويشجعه ولا يخلق صراعات القديم والجديد بين الأجيال !

       لقد أعجبَتْني مُبادرةُ الكاتِب الشاب الجميل ثامر شاكر حينما استضاف في رمضان الماضي بصالونه الثقافي – في المنطقة التاريخية في جدة – عشرة كتّابٍ بسَطوا تجاربَهم في الكتابة والتأليف ، والأجمل كان إتاحته الفرصة للجميع ؛ حيثُ جمَعَ في مُستضِيفيه بين صاحِبِ التجربةِ الطويلة والثقلِ الأدبي والثقافي كالناقد والأديب المعروف السيد حسين بافقيه ، وبين أصحاب التجارب الحديثة بل مَنْ لم تتعدَّ تجربتُهُ وقتَها الكتابَ الواحِد مثل الصديق العزيز الدكتور ماجد عبدالله مع كتابهِ الأوّل “سيلفي” !

       هناك من تجارب الشباب في الكتابة التي لم تؤهّلهم بعد لإطلاق وصف كاتب على أغلفة كتبهم ، وهناك من امتلك أدواتِها واستحقّها بجَدارة ، وهم في كلتا الحالتيْنِ يحتاجون إلى الدّعْم والتوجيه لا القمْع والتجهيل ؛ فيظلُّ توجّه الشباب بكل أحواله نحو الكتابة ظاهرة إيجابية على المستوى الثقافي لابد أن تسرّع من حركة النقد البنّاء والدعم المعطاء .

       وفي المقابل – وحفاظاً على ذائقة ومستوى الوَعْي الأدبي – لابدّ من رفع مستوى دُور النّشر المحليّة تحديداً لتبنّي النتاج الشبابي وفْق مُعطيات وحدود لا تتنازل عن المستوى المقبُول لغةً ونحواً وأسلوباً ، شكلاً ومضموناً ؛ إذ لابد أن تأخذَ وزارةُ الثقافة والإعلام دورَها التثقيفي المعرفي في عقد الورش والدورات التأهيلية في أصول التأليف والنشر ، وفي فنون الكتابة وخاصةً الرّواية التي خاض فيها الكثير من الشباب الكتّاب بين النجاح والفشل دون معرفة لأصولها وعناصر بنائِها الفارِقة بينها وبين الفنون الأخرى .

       للحقيقة لم تفاجئني إحصائية صحيفة مكة الورقية – قبل أيام – حول نتاج الكتّاب السعوديين في فنون الأدب وتعدادها بين عامي 2014م – 2015م ؛ حينما أظهرت تراجعاً في دواوين الشعر وتزايداً في الرواية تليها القصص القصيرة ، ونُدْرةً وغياباً في الكتابة المسرحية ، وتراجعاً في كتب الدراسات الأخرى .. فهل ستكونُ حصيلة العام الجديد 2016م أكثر تنوعاً ؟! نرجو ذلك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com