المقالات

ولادة متعسرة

 منطق الطير: “إذا كان الحب أعمى .. فقد فقدت الوطنية حواسها الخمس” – وليام بلوم.

ليست الوطنية مشروعًا عاطفيًا “منساباتيًا” يتوهج فجأة عند الأفراح والأتراح، ثم سرعان ما ينطفئ ويخبو، وإن كانت حالة (الوطنية) تتطلب قدرًا من العاطفة والشعور، ومن المحبة والتضحية، ومن الحماسة والتوقد، فهي ابتداءً وعي مستمر بالطموحات والآمال، واستيعاب للتحديات والرهانات، وخلاصة صدق مع الذات، وانتهاءً التجسيد العملي لتلك المشاعر الجياشة والتعبيرات الفياضة، فدونها لا معنى للمحبة، إذ إن الحب سلوك ينعكس على مسيرة نماء الوطن وحياة الناس. لا وطنية دون اصطفاف مع الإنسان والحرية والحق، ومع الغد والمستقبل، ولا غد ومستقبل للأوطان دون مراجعة للتجارب والمنجزات واحترام للخصوصيات، الخصوصيات بمفهومها الشامل كتمظهر للتنوع والثراء المجتمعي المميز لعالمنا العربي، لكن تلك الخصوصية يجب أن تنضوي في الكينونة الجمعية لتحقيق الأهداف العامة، وتسهم في المشروع النهضوي والمنجز الحضاري، الخصوصية كحصانة وخطوة استباقية واعية ودائمة ضد مشاريع التقسيم والتفتيت التي تهدد المنطقة. من هنا يأتي التحدي الحقيقي، فالمسألة اليوم في مجتمعاتنا تتجاوز استيعاب الفكر الآخر والمختلف، وتهيئة مناخ التعايش المشترك، إلى خلق فرص التعاضد مع الذات الموسومة ب-“الآخر” من أجل الانتقال من فكرة التقبل والمواساة إلى فكرة الاندماج والعطاء، فالمرحلة التي نمر بها تتطلب قدرًا من الشجاعة للعبور نحو مجتمع التعدد والتنوع، ذلك المجتمع الذي يستثمر كل مكوناته واختلافاته وتمايزاته لتحقيق الرؤية المتحدة المتوازنة، والخطط التكافلية البناءة، وصناعة التميز والتغيير. لا شك أن الوصول لتلك المرحلة المتقدمة من الاندماج مع (الذات/الآخر) تتطلب ولادة جديدة وإن كانت متعسرة، وبذلك سوف تعد خطوة متقدمة في النضال المستمر -ما بعد الربيع العربي- على مستوى الفكر أو الممارسة، تجنب تكرار نماذج الماضي المؤلمة ومأساوية الراهن وقلق المستقبل.

خبر الهدهد: الوجه الآخر للصورة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى