فرحنا واستبشرنا بإنشاء هيئة مكافحة الفساد، واعتقدنا أن مظاهر الفساد ستنتهي، وأن الفاسدين سيتقلصون ومن ثم يذوبون ويختفون، ولكني إلی الآن لم أقرأ تقريرًا يكشف لنا هوية فاسد أو فساد فاسد، فإما أن أكون مقصرًا في الاطلاع وهنا أقدم اعتذاري لهيئة مكافحة الفساد، وإما أن تكون الهيئة نفسها مقصرة وعليها تقديم الاعتذار للمجتمع والنهوض بمسؤوليتها التي أنشئت من أجلها، وإما أن يكون الفاسدون تخوفوا من انكشافهم أمام الهيئة فتابوا عن الفساد واتجهوا إلی المسار الصحيح في تنفيذ أعمالهم .. ولكن الاحتمال الثالث يشكل في نظري أضعف الاحتمالات، أمام هذا الكم الهائل الذي تبرزه قنوات التواصل الاجتماعي من مظاهر الفساد التي مازالت تنخر في مفاصل المجتمع .. وأمام هذه الجرأة لقنوات التواصل الاجتماعي التي اكتسحت الأحداث في كشف المستور من الفساد والفاسدين، نلحظ صحفنا الورقية السلحفائية مازلت علی (دقتها) القديمة في التخوف من نشر هويات الفاسدين بحجة التشهير. في الوقت الذي انتشر فيه اسم الفاسد وانكشفت هويته وأصبحت سيرته علی كل لسان، سواء كان شخصا أو جهة اعتبارية .. فإلی متی ستظل صحفنا تجري خلف مصادرها من وسائل الإعلام الجديد؟! وهل قانون التشهير الذي تتعلل به الصحف سيبقی عائقًا ومبررًا لبقائها تعمل في ذيل القنوات الاجتماعية التي أصبحت مصدرا لأخبارها ؟! أنا أجزم بأن السلطة الرابعة حاليا سحبت بقوة من الصحف البليدة وأصبحت ملكًا مستحقًا لقنوات التواصل الاجتماعي، وصار المجتمع يحسب ألف حساب لهذا (المارد) (المتربص) الإلكتروني الذي لا يملك مقص الرقيب ولا يعرف المجاملة ولا يتقن المداهنة .. فقط يصور الحدث وينقل الحقيقة كماهي دون أن يعطي اعتبارًا للفاعل مهما كان مقامه وشخصيته، وهذه هي الرقابة المجتمعية الفاعلة بكل ماتعنيه الكلمة .
0