المقالات

درس موريارتي و هولمز

يظل الأدب بمختلف أجناسه معينًا لاينضب من الحكمة والنورانية والبصيرة يمدنا بالمثل، ويحفظ لنا المآثر، ويشعل في جوانحنا مشاعر متباينة بحسب الحال والموقف. الرواية بوصفها جنسًا أدبيًّا يمكنني وصفها بالغول القادر على جمع الأشياء حوله؛ حيث نجدها سفرًا ضخمًا من الحكايات والسير والطقوس والمثولوجيا والأساطير والخرافات والمثل، بل حتى الجغرافيا والتاريخ تستطيع أن تضمها لعوالمها بكل يسر؛ لذلك لاغرابة أن نجدها تتجاوز الوظيفة الأدبية إلى التاريخية، بل إنه من العجب أن نجدها تدخل ميادين تطوير الذات والتنمية البشرية عبر ماتقدمه لنا شخوص وأبطال الروايات. في رواية آثر كونان دويل مبتكر شخصية شارلوك هولمز الخيالية، والتي تحولت إلى دروس نجاح ومنابع إلهام هنا في هذا السرد سأتوقف عن درس حياتي مهم وملهم قدمته لنا الرواية أعني ارتباط شارلوك هولمز بعدوه اللدود (موريارتي). ومن قرأ الرواية لربما أنه رأى كيف كان هولمز يستمد وجوده كمحقق عظيم من وجود خصمه وعدوه اللدود موريارتي حتى في تلك اللحظات التي يصرعه موريارتي. … ويلحق به هزيمة نكراء كان شارلوك يبدو سعيدًا منتشيًّا صحيح أن موريارتي أكثر مكرًا ودهاءً وخبثًا ووقاحة، وكان يُشكل خطرًا عليه لكنه كان سعيدًا بوجوده وكان دومًا يقول:(الحيــاة أكثـر متعــة فى وجــود).

(مــوريــارتي ) رغم العداء المعلن ورغم التهديد الواضح الذي يسببه له، ورغم كل مايشكله على هولمز من خطر قد يسبب له الفناء. ظل شارلوك هولمز متمسكًا بـ(موريارتي) لسبب بسيط هو أنه يعلن وجوده في حال حضور موريارتي؛ حتى غدا محكًا ومقياسًا له ومن هنا نقول إنه يتوجب أن يكون لكل واحد منــا (موريــارتي) فى حيــاته وهذا درس مهم للنجاح قدمته لنا الرواية بتمكن ووضوح، وبرهنت على أهمية وجوده بل وخلقه عند الضرورة فوجود منافس قـــوى دائمــًا ماتنتصــر عليه مــرة، وينتصــر عليــك مرات .. وجود هــذا الشخــص فى حيــاتك لا يعتبــر أبدًا حجــر عثـــرة أو سببًا للإحبــاط والتراجـــع، بل هو سبب مباشــر فى جعـــل حيــاتك ذات قيمـــة .. هو السبب الدائــم لسعيـــك للوصــول إلى كينونة الوجود، والمحــاربة بمنتهى الإصــرار للبقــاء عليها أطول فتــرة ممكنــة. وكلما كان موريارتي الخاص بك شرسًا وعنيدًا وقويًّا كلما زادت فرص أن تكتسب المزيد من المهارات والحيل، وأن تعمل على بذل المزيد من الجهد والبحث عن مكامن قوتك واستنهاض هممك، ومن ثم إعلان وجودك. لذا أقول لك:(احرص على أن يكون لك موريارتي خاص بك)، وعليك من الآن البحث عنه، والعمل على تقويته لا من أجله، بل من أجل وجودك أنت.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سلمت أناملك ابا أيمن كلام جميل وفعلاً نحتاج خلق منافس لنا في الحياة ان لم يكن موجوداً
    بارك الله فيك أخي ناصر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى